فكان لانتقال المدرسة إلى هذا الجو الفكري على يد علماء كبار أمثال المفيد والمرتضى والطوسي أثر كبير في الحركة الفكرية القائمة في حينه ، فقد تكاملت مدرسة الفقه الشيعي في (قم والري) وتأصلت ، ثم ظهرت ملامح الاستقلال عليها وتبلورت أصولها وقواعدها في (بغداد).
ومن المستحسن بنا ـ ونحن بصدد دراسة الفقه الشيعي في هذا العصر ـ أن نمرّ سريعا على تراجم ألمع فقهاء هذه الدورة :
١ ـ المفيد (٣٣٦ ـ ٤١٢ هـ) : أبو عبداللّه محمد بن محمد بن النعمان المفيد البغدادي ، ولد في (عُكبرا) من نواحي الدجيل ، وانتقل منها في أيام صباه إلى بغداد بصحبة والده ، ونشأ في بغداد ، وتفرغ منذ نعومة أظفاره لطلب العلم ، فعرف وهو بعد صغير يرتاد حلقات الدراسة بالفضل والنبوغ.
وقد قدّر للشيخ المفيد أن يكون رائدا فكريا لهذا العصر من عصور الفقه الإسلامي. وأن يدخل تغييرات وتحسينات كثيرة على الفقه ويطور من مناهجه وقواعده.
ومن استعراض حياة المفيد يستظهر الباحث أن الشيخ المفيد استطاع أن يغيّر الجو الفكري في بغداد حاضرة العالم الإسلامي يومذاك ، وأن يعزز ندوات الفقه والكلام ، ويجذب إلى نفسه طلاب العلم حتى كاد أن يغطي على المدارس الفقهية والكلامية الأخرى والفقهاء والمتكلمين من أتباع سائر المذاهب.