الأوّل مباح والثاني مستحبّ ، والثالث مكروه ، ويشترك الجميع في عدم إيجاب من الشارع على الفعل والترك ، لكنّه بعد الاشتراط يجب عليه القيام بما اشترط ، ولا يعدّ الإلزام على فعل المباح والمستحبّ أو المكروه مخالفاً للشريعة ، لأنّ الشارع لم يُلزم الأخذ بأحد الطرفين بل شرّع التخيير بين الفعل والترك ، من غير فرق بين ما يتساوى فيه الطرفان من حيث الرجحان ـ كما في المباح ـ أو يرجّح الفعل كما في المستحبّ ، أو يرجّح الترك ، كما في المكروه ، فإذا شرط عليه أحد الأُمور ، فقد أُلزم بالأخذ بأحد طرفي التخيير حسب الاتفاق . ولو كان الإلزام بأحد هذه الأُمور مخالفاً للكتاب والسنّة ، يلزم انحصار صحّة الشرط في فعل الواجب وترك الحرام ومن المعلوم بطلانه .
يقول المحقّق المراغي : لو كان الفعل والترك ممّا رُخّص فيه ـ كطلاق الزوجة ، وبيع الدار ، وأكل الرمان ، والقعود يوم الجمعة في الدار ، والسير إلى مكان ، و نحو ذلك ممّا لا أمر فيه للشارع ولا نهي ـ فيجوز اشتراط فعل وترك من دون إشكال وليس داخلاً في مخالف الكتاب والسنّة .
وبعبارة أُخرى : كلّ شرط ـ مع قطع النظر عن لزوم العمل بالشرط ـ لم يرد في الشرع ما يدلّ على الإلزام فيه بفعل أو ترك ، فلا مانع من اشتراطه . كما لا مانع من اشتراط ما أوجب الشرع فعله أو تركه ، فيكون اشتراط الواجب أو ترك الحرام على المكلّف عندئذٍ ، نظير النذر على فعل الواجب أو تركه . (١)
فإن قلت : إنّ اشتراط فعل المباح أو عديله ، تدخّل في سلطان الله في تشريعه حيث فرض على المشروط عليه ما أباحه الله وخيّره بين الفعل والترك . إذ لا يؤمَّن غرض الشارط إلّا أخذ المشروط عليه بواحد من الطرفين .
قلت : إنّ الشارط لا يتدخّل في سلطان الله في تشريعه بل يسلّم أنّه باق في
__________________
١ . العناوين : ٢ / ٢٩٦ ، العنوان ٤٦ .