فلا بدع لو اختص بلقب « ترجمان القرآن » وهذا يعني اتساع معارفه القرآنية تنزيلاً وتأويلاً وتفسيراً ، وقد شهد له بذلك أكابر الصحابة وأعيان التابعين ، ولعل من أشهر الأقوال في وصف تلك الحال قول عمر بن الخطاب « لقد عُلّمت علماً ما علمناه » (١).
وما دون هذا قوله لمن عاتبه من المهاجرين : ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟ قال : « ذاكم فتى الكهول إنّ له لساناً سؤولاً وقلباً عقولاً » (٢) ، وقد مرّت بنا في الحلقة الأولى كلمات عمر في حقه ، فراجع.
وفي أقوال الباقين نجد صيغة أفعل التفضيل تحتل مكان الصدارة في تعريفه والثناء عليه. فقد قال عنه سعد بن أبي وقاص : « ما رأيت أحداً أحضر فهماً ، ولا ألبّ لبّاً ، ولا أكثر علماً ، ولا أوسع حلماً من ابن عباس ، ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات ثم يقول : قد جاءتك معضلة ، ثم لا يجاوز قوله ، وإنّ حوله لأهل بدر » (٣).
وستأتي شواهد على شموخ صيغة أفعل التفضيل حين تبقي معَلماً بارزاً في جمل الثناء ، ولا غرابة في ذلك بعدما احتل الصدارة في رآسته المفسرين من بعد ابن عمه ومعلّمه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد أحاط علماً بتأويل الكتاب محكمه ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه ، من ابن عمه أمير المؤمنين عليه السلام ،
____________
(١) أنساب الأشراف ٣ / ٣٧ ، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي ٢ / ١٤٠ ، وسير أعلام النبلاء للذهبي ٤ / ٤٤٧.
(٢) سير أعلام النبلاء للذهبي ٤ / ٤٤٧.
(٣) سير أعلام النبلاء للذهبي ٤ / ٤٤٨.