الذي كان يدعوه فيملي عليه من دقائق التفسير حتى يطلع الفجر ما لم يحظَ ويَخص به سواه ، وقد مرّت بنا في الحلقة الأولى أخباره في ذلك.
ومن بعد علم التفسير كانت براعته في الحديث ، وشهرته في ذلك تغني عن الإطالة في الحديث عنه ، على أنّا لم نغفل فيما مضى ذكره في كثرة مرويّاته وما قيل فيها والدفاع عنه ، وشهرته في السماع والتلقي ، وتشدّده في احتياطه البالغ في ذلك ، حتى كان يسأل عن الحديث الواحد أكثر من واحد.
ثم يأتي دور فقاهته من بعد التفسير والحديث ، وقد بلغ في الفقه مبلغاً عظيماً سبق فيه مَن كان أكبر منه سنّاً من الصحابة ، حتى بذّهم فحدّث عنه طاووس قال : « أدركت نحواً من خمسمائة من الصحابة إذا ذكروا ابن عباس فخالفوه ، فلم يزل يقرّرهم حتى ينتهوا إلى قوله » (١).
ولئن تميّز بعض الصحابة في جانب من العلم ، كما قيل عن ابن مسعود ، أو أبيّ بن كعب ، أو زيد بن ثابت ، أو غيرهم ، لكنهم لم يبلغوا شأو ابن عباس في جامعيته وإحاطته بما لم يحيطوا به خبراً من بقية فنون العلم والمعرفة.
وحسبنا أن نقرأ قول أحد الرواة عنه وهو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
____________
(١) سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٥١ دار الفكر.