ولا شك إنّ عناية المسلمين بتفسير كتاب الله تعالى بدأت منذ نزوله منجّماً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد كانت الصحابة الذين يعون حق الوعي مفاهيم الإسلام ، يرجعون إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيما أشكل عليهم من تفسير القرآن ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يبيّن لهم ويوضح ذلك ، ويدعوهم إلى التمسك به وإقامة أحكامه ، وقد نصبه علماً من بعده مقروناً بعترته ليقوموا مقامه في تبيانه ، كما في حديث الثقلين : « إنّى مخلف فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً » (١).
فقام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام من بعده ، بتلك المهمة ـ لأنّه الوحيد الذي قال فيه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « علي مع القرآن والقرآن معه » (٢) ـ ولذلك أخذ يبثّ علمه لمن طلبه ، فكان ابن عباس أبرز من أخذ منه وأوعى من حمل عنه.
فكان يختصه بمحاضرات في المسجد النبوي الشريف كما مرّ في الحلقة الأولى وفي مقدمة هذه الحلقة ، في كلمة السيد أمير علي في كتابيه : « روح الإسلام » و « تاريخ التمدن الإسلامي ».
حتى كان على حدّ قول ابن عمر فيه بعد أن كان لا يعجبه من ابن عباس خوضه في التفسير ويسميه جرأة ، إلاّ أنّه عاد وأعترف له بأنّه : « أعلم أمّة محمد بما نزل على محمد » (٣) ، وبلفظ الطبري في « تهذيب الآثار » : « أعلم الناس بما
____________
(١) يراجع كتابي علي إمام البررة ١ / ٢٩٢.
(٢) نفس المصدر ١ / ١٦٥.
(٣) أسد الغابة ٣ / ١٩٢ ، ١٩٥ ، وتهذيب التهذيب ٥ / ٢٧٨.