« فذلك سر عملكم وعلانيته يحاسبكم به الله ، فليس من عبد مؤمن يُسّر في نفسه خيراً ليعمل به ، فإن عمل به كُتبَ له به عشر حسنات ، وإن هو لم يقدر له أن يعمله به كتبت له به حسنة ، من أجل أنّه مؤمن ، والله يرضى سرّ المؤمنين وعلانيتهم ، وإن كان سوءاً حدّث به نفسه أطلّع الله عليه ، وأخبره به يوم تبلى السرائر ، وإن هو لم يعمل به لم يؤاخذه الله به حتى يعمل به ، فإن عمل به تجاوز الله عنه كما قال : (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ) (١) » (٢).
فتفسيره في هذا المقام هو من نموذج تفسير القرآن بالقرآن ، وقد عرفنا أنّ ابن عباس أخذ هذا التفسير من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى في الآية المذكورة : (وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ) ، فقد روى جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، عن الروح الأمين ، قال : « يؤتى بحسنات العبد فيقتص بعضها ببعض ، فإن بقيت حسنة وسّع الله له في الجنّة » (٣).
٢ ـ أخرج أحمد في مسنده ، عن ابن عباس قال : « لمّا نزلت هذه الآية : (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) (٤) ، قال : دخل
____________
(١) الاحقاف / ١٦.
(٢) تفسير ابن جرير ٣ / ١٤٧ ط البابي الحلبي.
(٣) نفس المصدر ٢٦ / ١٨.
(٤) البقرة / ٢٨٤.