في أوّل الأمر ويتزايد كلّ يوم شيئاً فشيئاً إلى أن ينتهي إلى غاية الكمال ، ثم يأخذ في التراجع والانتقاص إلى أن لا يبقى منه شيء ، فكانت حالته شبيه بحال القمر ، فانّه يظهر هلالاً ضعيفاً ثم لا يزال يزداد إلى أن يصير بدراً تاماً ، ثم يتراجع إلى أن ينتهي إلى العدم والمحاق.
وإذا عرفت هذا ، فنقول : مدّة دورة القمر ثمانية وعشرون يوماً وكسر ، فإذا جعلت هذه الدورة أربعة أقسام ، كان كلّ قسم منها سبعة أيام. فلا جرم رتّبوا أحوال الأبدان على الأسابيع ، فالإنسان إذا ولد كان ضعيف الخلقة نحيف التركيب إلى أن يتم له سبع سنين ، ثم إذا دخل في السنة الثامنة حصل فيه آثار الفهم والذكاء والقوة ، ثم لا يزال في الترقي إلى أن يتم له أربع عشر سنة ، فإذا دخل في السنة الخامسة عشر دخل في الأسبوع الثالث. وهنا يكمل العقل ويبلغ إلى حدّ التكليف وتتحرك فيه الشهوة ، ثم لا يزال يرتقي على هذه الحالة إلى أن يتم السنة الحادية والعشرين ، وهناك يتم الأسبوع الثالث ويدخل في السنة الثانية والعشرين ، وهذا الأسبوع آخر أسابيع النشر والنماء فإذا تمت السنة الثامنة والعشرون فقد تمت مدّة النشر والنماء ، وينتقل الإنسان منه إلى زمان الوقوف وهو الزمان الذي يبلغ الإنسان فيه أشدّه ، وبتمام هذا الأسبوع الخامس يحصل للإنسان خمسة وثلاثون سنة ، ثم إنّ هذه المراتب مختلفة في الزيادة والنقصان؛ فهذا الأسبوع الخامس الذي هو أسبوع الشدّة والكمال يبتدئ من السنة التاسعة والعشرين إلى الثالثة والثلاثين ، وقد يمتد إلى الخامسة والثلاثين ، فهذا هو الطريق المعقول في هذا الباب ، والله أعلم بحقائق الأشياء » (١).
____________
(١) تفسير الرازي ١٨ / ١١١.