وقد ورد عن ابن عباس أنّه ممن يعلم التأويل (١) ، ولا بُعد في ذلك بعد أن كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا له فقال : « اللهم علّمه التأويل » ، ثم هو كان في علمه وتعلّمه من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ما هو متيقن معلوم ، وقد مرّت بنا مقولته مفتخراً : « علمي من علم عليّ ، وعلم عليّ من علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » ، فلا غرابة لو قال : إنّه يعلم تأويل الكتاب ، ويعرف المحكم منه والمتشابه على نحو ما بينّاه.
وإن كان للمحكم عنده معنى آخر ، غير المحكم من الآيات ، هو ما يسمّيه بالمحكم من السور ، وفسّره بأنّه ما يُسمي بالمفصّل ، وهو قصار السور لكثرة الفواصل التي بين السور بالبسملة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ).
فكان يقول في سورة الضحى إلى الناس ، وكان يفصل في الضحى بين كلّ سورتين بالتكبير وهو رأي قرأه كثير (٢).
وكان يقول : « إنّ الذي تدعونه المفصل هو المحكم ، توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم » (٣).
وأنا لا أكاد أصدّق رواية هذا الخبر عنه! إذ مرّ بنا في الحلقة الأولى « سيرة وتاريخ » بأنّه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وبنو هاشم في حصار الشعب ، فكان عمره يوم توفي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث عشرة سنة ، كما مرّ بنا أيضاً أنّه قد جمع المحكم على عهده صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا يبعد سهو الرواة عنه في تقدير العمر.
____________
(١) جامع البيان للطبري ٣ / ١٨٣.
(٢) تفسير الماوردي ١ / ٢٧.
(٣) راجع الحلقة الأولى من هذه الموسوعة ٢ / ٣٢٤.