فيه الألسنة المتفرقة ، واللغات المختلفة ، ففشا الفساد في اللغة العربية ، واستبان منها في الإعراب الذي هو حليتها ، والموضح لمعانيها ، فتفطن لذلك من نافر بطباعة سوء أفهام الناطقين من دخلاء الأمم بغير المتعارف من كلام العرب ، فعظم الإشفاق من فشو ذلك وغلبته ، حتى دعاهم الحذر من ذهاب لغتهم وفساد كلامهم ، إلى أن سببوا الأسباب في تقيدها لمن ضاعت عليه ، وتثقيفها لمن زاغت عنده ، فكان أوّل من أصّل ذلك ، وأعمل فكره فيه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي » (١).
وحكى عن أبي العباس محمد بن يزيد قوله : « سئل أبو الأسود الدؤلي عمّن فتح له الطريق إلى الوضع في النحو وأرشده إليه؟ فقال : تلقيّته من عليّ بن أبي طالب رحمة الله » (٢).
وفي حديث آخر : « ألقى إلي عليّ أصولاً أحتذيت عليها » (٣).
وهذا كان بعد أن تسرّب اللحن إلى ألسنة العرب ، وتفشى فيهم بعد تفشي الفتوحات وكثرة الداخلين في الإسلام من الأمم غير العرب ، مضافاً إلى ما سبقت الإشارة إليه من اختلاف اللهجات نطقاً عند بعض القبائل العربية ، كلّ ذلك ساعد على نشوء علوم العربية ، من نحو وصرف ولغة ، لمعرفة الفصيح من الغريب والحقيقة من المجاز ، وتمايز أبواب النحو ومعرفة أدواته ، وهذا لم يكن مدّوناً قبل خبر أبي الأسود الدؤلي المشار إليه.
____________
(١) طبقات النحويين واللغويين / ١٠.
(٢) نفس المصدر.
(٣) نفس المصدر / ١٣.