وهذه حقيقة ثابتة إلاّ أنّها مهضومة لدى بعض الباحثين من مستعربين ومستغربين ، وسيأتي الحديث مفصلاً عن هذه الحقيقة في الفصل الرابع.
أمّا الآن فنكتفي بالإشارة إلى دور الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في التأسيس ، ومشاركة أبي الأسود في التكميل ، ودور ابن عباس في المشاركة إشادة وإشارة ، نقلاً عن مصدر لا يُرتاب في نقله ، لأنّ صاحبه غير متهم في المحاباة فضلاً عن الموالاة.
وذلك هو « أنباه الرواة بأخبار النحاة / لجمال الدين القفطي المتوفى سنة ٦٤٦ هـ » فقال : « ذكر أوّل من وضع النحو وما قاله الرواة في ذلك.
الجمهور من أهل الرواية على أنّ أوّل من وضع النحو أمير المؤمنين عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ.
فقال أبو الأسود الدؤلي رحمة الله : دخلت على أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ فرأيته مطرقاً مفكّراً فقلت : فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ فقال : « سمعت ببلدكم لحناً ، فأردت أن أضع كتاباً في أصول العربية ».
فقلت له : إن فعلت هذا بقيت فينا هذه اللغة العربية (١).
ثم أتيته بعد أيام فالقى إلي صحيفة فيها :
« بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ : الكلام كلّه إسم وفعل وحرف ، فالإسم ما أنبأ عن المسمّى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى ، والحرف ما أنبأ عن
____________
(١) في رواية ياقوت في معجم الأدباء ١٤ / ٤٩ نقلاً عن أبي القاسم الزجاج في أماليه : ( إن فعلت هذا يا أمير المؤمنين أحييتنا وبقيت فينا هذه اللغة ).