بذلك على رسول الله صلىاللهعليهوآله حزنان حتى عرف ذلك فيه.
قال هند : ثم انطلق ذوو الطول والشرف من قريش إلى دار الندوة ، ليأتمروا في رسول الله صلىاللهعليهوآله وأسروا ذلك بينهم ، فقال بعضهم : نبني له علما ، وينزل برجا نستودعه فيه ، فلا يخلص من الضباة (١) إليه أحد ، ولا يزال في رنق (٢) من العيش حتى يتضيفه (٣) ريب المنون ، وصاحب هذه المشورة العاص بن وائل وأمية وأبي ابنا خلف.
وقال قائل : بئس الرأي ما رأيتم ، ولئن صنعتم ذلك ليتنمرن (٤) له الحدب (٥) الحميم والمولى الحليف ، ثم ليأتين المواسم والأشهر الحرم بالأمن فلينتزعن من أنشوطتكم (٦) قولوا قولكم.
قال عتبة وشيبة وشركهما أبو سفيان ، قالوا : فإنا نرى أن نرحل بعيرا صعبا ، ونوثق محمدا عليه كتافا وشدا ، ثم نقصع البعير بأطراف الرماح ، فيوشك أن يقطعه بين الدكادك (٧) إربا إربا.
فقال صاحب رأيهم : إنكم لم تصنعوا بقولكم هذا شيئا ، أرأيتم إن خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق ، فأخذ بقلوبهم بسحره وبيانه وطلاوة (٨) لسانه ، فصبا القوم إليه ، واستجابت القبائل له قبيلة فقبيلة ، فليسيرن حينئذ إليكم بالكتائب والمقانب (٩) ، فلتهلكن كما هلكت إياد ومن كان قبلكم؟! قولوا قولكم.
__________________
(١) الصباة : جمع صابي ، الذي خرج من دين إلى دين غيره.
(٢) الرنق : الكدورة.
(٣) أي ينزل به.
(٤) تنمر : تشبه بالنمر ، وتنمر له : تنكر وتغير.
(٥) الحدب : الشفيق ، العطوف.
(٦) الأنشوطة : عقدة يسهل انحلالها.
(٧) الدكادك : الأرض التي فيها غلظ.
(٨) الطلاوة : الحسن والبهجة.
(٩) المقانب : جمع مقنب ، وهو جماعة الخيل والفرسان.