تتعلق في مثل هذا يا أعبس ، ثم أمر به فأخرج ، فقام الزبير فالتفت إلى عمار رحمهالله فقال : عجلت يا أبا اليقظان على ابن أخيك رحمك الله. فقال عمار بن ياسر : يا أبا عبد الله ، أنشدك الله أن تسمع قول من رأيت ، فإنكم معشر المهاجرين لم يهلك من هلك منكم حتى استدخل في أمره المؤلفة قلوبهم. فقال الزبير : معاذ الله أن نسمع منهم. فقال عمار : والله يا أبا عبد الله ، لو لم يبق أحد إلا خالف علي بن أبي طالب لما خالفته ، ولا زالت يدي مع يده ، وذلك لان عليا لم يزل مع الحق منذ بعث الله نبيه صلىاللهعليهوآله ، فإني أشهد أنه لا ينبغي لاحد أن يفضل عليه أحدا.
فاجتمع عمار بن ياسر وأبو الهيثم ورفاعة وأبو أيوب وسهل بن حنيف ، فتشاوروا أن يركبوا إلى علي عليهالسلام بالقناة فيخبروه بخبر القوم ، فركبوا إليه فأخبروه باجتماع القوم وما هم فيه من إظهار الشكوى والتعظيم لقتل عثمان ، وقال له أبو الهيثم : يا أمير المؤمنين ، انظر في هذا الامر ، فركب بغلة رسول الله صلىاللهعليهوآله ودخل المدينة ، وصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، واجتمع أهل الخير والفضل من الصحابة والمهاجرين ، فقالوا لعلي عليهالسلام : إنهم قد كرهوا الأسوة ، وطلبوا الأثرة ، وسخطوا لذلك. فقال علي عليهالسلام : ليس لأحد فضل في هذا المال ، وهذا كتاب الله بيننا وبينكم ، ونبيكم محمد صلىاللهعليهوآله وسيرته.
ثم صاح بأعلى صوته : يا معشر الأنصار ، أتمنون علي باسلامكم ـ قال أحمد : على الله باسلامكم ـ بل لله ورسوله المن عليكم إن كنتم صادقين ، أنا أبو الحسن القرم (١). ونزل عن المنبر وجلس ناحية المسجد ، وبعث إلى طلحة والزبير فدعاهما ، ثم قال لهما : ألم تأتياني وتبايعاني طائعين غير مكرهين (٢) ، فما أنكرتم ، أجور في
__________________
(١) القرم : النحل من الإبل ، وقيل للسيد العظيم على التشبيه بالفحل.
(٢) الظاهر أن سقطا في هذا الموضع ، يدل عليه ما يأتي في جواب أمير المؤمنين عليهالسلام من ذكر الاستشارة ، والسقط على ما في رواية ابن أبي الحديد ٧ : ٤٠ : « قالا : بلى. فقال : غير مجبرين ولا مقسورين ، فأسلمتما لي بيعتكما ، وأعطيتماني عهدكما؟ قالا : نعم. قال : فما دعاكما بعد إلى ما أرى؟ قالا : أعطيناك بيعتنا على ألا تقضي الأمور ولا تقطعها دوننا ، وأن تستشيرنا في كل أمر ، ولا تستبد بذلك عليا ، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت ، فأنت تقسم القسم وتقطع الامر ، وتمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا ».