.................................................................................................
______________________________________________________
منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام المتقدّمة آنفاً ، فقد قيل : إنّها تتضمّن قرينتين تشهدان بذلك :
إحداهما : اقتران النهي عن القراءة في الأُوليين بالنهي عنها في الأخيرتين حيث قال عليهالسلام فيها : «ولا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين» ، ومن الواضح أنّ النهي في الأخيرتين تنزيهي ، فكذا في الأُوليين ، لاتحاد السياق.
وفيه أوّلاً : ما ذكرناه في الأُصول (١) من أنّ الوجوب والحرمة وكذا الاستحباب والكراهة ليسا من مداليل الألفاظ ، وإنّما يستفادان من حكومة العقل بمناط وجوب الطاعة ، فإنّ صيغة الأمر لا تدلّ إلّا على إبراز اعتبار الشيء وجعله في ذمّة المكلف ، كما أنّ النهي لا يدلّ إلّا على اعتبار محروميته عنه. فان لم يقترن بالترخيص في الترك أو في الفعل انتزع منه الوجوب أو الحرمة بحكم العقل عملاً بوظيفة العبودية وخروجاً عن عهدة الطاعة ، وإن اقترن بالترخيص في أحدهما انتزع منه الاستحباب أو الكراهة ، من دون أن تكون الصيغة بنفسها مستعملة في شيء من ذلك.
وحيث قد ثبت الترخيص من الخارج بالإضافة إلى الأخيرتين ، ولم يثبت في الأوّلتين التزمنا بالكراهة في الأوّل وبالحرمة في الثاني ، من دون أن يستلزم ذلك تفكيكاً في ظاهر اللفظ كي يتنافى مع اتحاد السياق.
وثانياً : سلّمنا استفادتهما من اللفظ ودلالة الصيغة بنفسها عليهما لكن الصحيحة تضمّنت حكمين لموضوعين في جملتين مستقلّتين ، غاية الأمر أنّهما اجتمعا في كلام واحد ، فأيّ مانع من إرادة الحرمة في إحداهما والكراهة في الأُخرى بعد تغاير الجملتين موضوعاً وحكماً. ومجرّد الاجتماع في كلام واحد لا يستوجب الاتّحاد في الحكم. وحديث السياق لو سلّم فمورده ما إذا كان هناك حكم واحد لموضوعين في جملة واحدة مثل قوله : اغتسل للجمعة والجنابة ، كما لا يخفى.
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٣٠ ١٣٢ ، [وقد ذكر ذلك في صيغة الأمر فقط].