قال الخطيب (١) : ونا أبو بكر البرقاني قال : دخلت أسفراين (٢) ومعي ثلاثة دنانير ودرهم واحد ، فضاعت الدنانير مني وبقي معي الدّرهم حسب ، فدفعتها إلى بقال ، وكنت آخذ منه في كل يوم رغيفين ، وآخذ من بشر بن أحمد جزءا من حديثه ، وأدخل مسجد الجامع فاكتبه وانصرف بالعشي ، وقد فرغت منه ، فكتبت في مدّة شهر ثلاثين جزءا ، ثم نفد (٣) ما كان لي عند البقّال فخرجت عن البلد.
قال : وحدثني أحمد بن غانم الحمّامي ـ وكان شيخا صالحا يديم الحضور معنا في مجالس الحديث ـ قال : انتقل أبو بكر البرقاني من الكرخ إلى قرب باب الشّعير ، فسألني أن أشرف على حمّالي كتبه وقال : إن سئلت عنها في الكرخ فعرّفهم أنها دفاتر لئلا يظنّ أنها إبريسم وكانت ثلاثة وستين سفطا وصندوقين ، كل ذلك مملوء كتبا.
قال : وقال لي عيسى بن أحمد الهمذاني (٤) لم ينظر في كتب البرقاني كلها من أصحاب الحديث غير أبي الحسن النعيمي فإنه نظر في جميعها وعلّق منها.
قال : وأنشدنا البرقاني لنفسه (٥) :
أعلل نفسي بكتب الحديث |
|
واحمل فيه لها الموعدا |
وأشغل نفسي بتصنيفه |
|
وتخريجه دائما سرمدا |
فطورا أصنّفه في الشيوخ |
|
وطورا أصنّفه مسندا |
وأقفو البخاري فيما نحاه |
|
وصنّفه جاهدا مجهدا |
ومسلم إذ كان زين الأنام |
|
بتصنيفه مسلما مرشدا |
وما لي فيه سوى أنني |
|
أراه هوى صادف (٦) المقصدا |
وأرجو الثواب بكتب الصّلاة |
|
على السيّد المصطفى أحمدا |
وأسأل ربي إله العباد |
|
جريا على ما (٧) له عودا |
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي ـ في
__________________
(١) تاريخ بغداد ٤ / ٣٧٥.
(٢) تاريخ بغداد : اسفرايين.
(٣) عن تاريخ بغداد وبالأصل «نفذ».
(٤) بالأصل «الهمداني» والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٥) الأبيات في تاريخ بغداد ٤ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦.
(٦) عن تاريخ بغداد وبالأصل : صادق.
(٧) تاريخ بغداد : ما به.