فلم أطق الكلام ، وخرجت على وجهي ، وكان ذلك سبب (١) التيه والصلف الذي كان لي ، وتركت كلما أملكه وها أنا معكم.
فقال صاحب الاستخفاف بالنّاس : إني كنت حاجبا لشداد والي الجسرين ، وكان إذا أراد أن يأكل أمرني بأخذ بابه ، وأن لا يدخل إليه أحد. فلم أشعر يوما إلّا قد جاءني رجل يريد أن يدخل إليه ، فمنعته استخفافا به ، ولما دخل تقدّم إليّ صاحبي (٢) فقال : يا هذا أنا أبو العالية وصاحبك تقدّم إليّ أن أجيئه في هذا الوقت. فرددته ، فقال : ما أبرح ، فحملني استخفافي به أن ضربته بعصا كانت في يدي ، فولّى عني وأنشأ يقول :
مدحت شدّادا فقال : ائتني |
|
بالله في المنزل يا راويه |
فجئت أسعى وإذا به قد |
|
شد (٣) والحاجب في زاويه |
فقال : من أنت الذي جئته |
|
وقت الغدا؟ قلت : أبو العاليه |
فقام يجري (٤) بعصا ضخمة |
|
وكاد أن يكسر أضلاعيه |
فطرت مرعوبا وناديته |
|
أمّ الذي يحجبه زانيه |
فسمع غلمانه وردّوا عليه ، فأمر بضرب عنقي ، فخرجت مرعوبا وتركت كلما أملكه ، وكان ذلك بسبب (٥) استخفافي بالرّجل وعجبي بنفسي وها أنا معكم. ولو كنت رفقت لم يصبني هذا ، وكل ما نحن فيه بقضاء الله عزوجل.
فقدم القوم وصاروا إلى البصرة وتفرقوا وأغناهم الله عزوجل.
٣٢ ـ أحمد بن علي بن عبيد الله بن علي
أبو نصر السّلمي الدّينوري الصّوفي المقرئ
سمع بدمشق ، أبا محمّد بن أبي نصر ، وأبا الحسن محمّد بن عوف بن أحمد المدني ، وبغيرها أبا الحسن علي بن محمّد بن عبد الله بن بندار القزويني ، وأبا عبد الله
__________________
(١) في المختصر : وكان سبب ذلك التيه.
(٢) كذا بالأصل والمختصر ، وفي المطبوعة : «صاح بي» بدل «صاحبي».
(٣) في المختصر : «وإذا بابه قد سدّ».
(٤) المختصر : نحوي.
(٥) بالأصل وم والمختصر : «سبب» ولعل الصواب ما أثبت.