«الإحصان إحصانان : إحصان عفاف ، وإحصان نكاح» [١١٨١].
أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني ، نا عبد العزيز بن أحمد الكتّاني ، نا أبو الحسين عبد الوهّاب بن جعفر الميداني ، أنا أبو الخير أحمد بن علي بن سعيد الحمصي الحافظ ـ قدم علينا ـ نا أبو المعمّر أحمد بن العبّاس الكاتب ، حدثني أبو عبد الله صالح بن عبيد البغداذي : أن ثلاثة نفر خرجوا من بغداذ فجمعتهم طريق البصرة ، فقعدوا في بعض الطّريق يتحدثون ، فقال أحدهم : أي شيء أجود ما يجتنيه الإنسان في الدنيا؟ فقال بعضهم : المزاح ، وقال الآخر : التيه والصّلف ، وقال الآخر : الاستخفاف بالناس ؛ فقال أحدهم : ليخبرنا كلّ واحد بما لحقه ، وقال صاحب المزاح : أنا أخبركم خبري ، وبكى. كنت رجلا بزازا في الكرخ (١) وكان لي دكان فيها غلمان وأجراء ، وأنا بخير من الله عزوجل ، فخرجت إلى دكاني يوما ، فقعدت فيها فلم أشعر إلّا بمخنّث قد عبر بي ، فحملني البطر والغرة بالله على المجون فقلت : كيف أصبحت يا أختي؟ فأجابني بجواب مسكت ، فأسقط في يدي ، وخجلت ، وضحك كلّ من سمعه. فشاع ذلك في البلد حتّى تحدّث به النساء على مغازلهن ، والصّبيان في الكتاتيب ، وكنت لا أعبر بشارع إلّا قالوا هذا التاجر ، وصاحوا خلفي : كيف باتت أختك؟ فلم أطق الكلام وخرجت على وجهي ، وتركت كلما أملكه وكان ذلك بسبب (٢) مزاحي ، وها أنا معكم نادم وما تنفعني الندامة.
وقال صاحب التيه والصلف : أخبركم خبري ؛ إني كنت أتقصف ، وكان عليّ من الله نعم ، فما أخذتها بشكر ، وكان لي ندماء أفضل عليهم ، فخرجت يوما ، وهم حولي ، فرأيت على الطريق أعمى يفسّر المنامات ، فقلت لأصحابي : تعالوا بنا حتى نسخر من هذا الأعمى ، فسلّمت عليه فردّ السلام فقلت : يا أعمى ، إني رأيت رؤيا أريد أن أفسّرها (٣) عليك فقال : سل عمّا بدا لك. فقلت : رأيت كأني آكل سمكا طريا ، فلمّا شبعت منه جعلت كأني أدخله في دبري فصفق الأعمى بيديه وقال كلاما قبيحا. فلما شاع ذلك في الناس ، وتحدث به الناس ، فكنت لا أعبر في طريق إلّا قالوا لي ذلك الكلام ،
__________________
(١) انظر معجم البلدان ٤ / ٤٤٧.
(٢) عن المختصر وبالأصل وم «سبب».
(٣) كذا بالأصل ، وفي المختصر : أريد أفسرها وفي المطبوعة : أريد أقصها عليك.