العباس ويجهد في استرجاع كتبه منه فلم يقدر عليه ، وكاد (١) أبو العباس يفوّتنا حديث أبي (٢) عبد الله الصّفار فذهبت أنا إلى أبي محمّد عبد الله بن حامد الفقيه ، فقلت له : إن هذا الرجل قد فوّتنا هذا الشيخ ، وهو يجامله بسبب كتبه عنده ، ونحن نعلم أنه لا يفرج قط عن جزء من أصوله ، وإن قتل. فإن الشيخ أبا بكر بن إسحاق حبسه ولم يقدر على استرجاع الكتب. فلو نصبت أبا بكر الساوي الورّاق مكانه ليسمع الناس ما بقي عنده من الكتب ، وكان أبو عبد الله الصّفار يحمل أبا محمّد بن حامد محمل الولد ، وكان أبو محمّد يخاطبه بالعم ، فقصده ونصحه فقبل نصيحته ، ونصبت أبا بكر الساوي مكانه ، وعقد أبو بكر في الأسبوع بضعة عشر مجلسا بالغدوات وبعد الظهر والعشاء ، وانتفع الناس بما بقي عند أبي عبد الله ، وكان لا يقعد ولا يقوم إلّا ويبكي ويدعو على أبي العباس ، فإن عيون كتبه كانت عنده ، ولم يقرأ قطّ حديثا واحدا من كتب الناس.
وإنما قصصت هذه القصة ليعتبر المستفيد به ولا يتهاون بالشيوخ ، فإن محل أبي العباس المصري من هذه الصنعة كان أجلّ محلّ ، وذهب علمه وساءت عاقبته بدعاء ذلك الشيخ الصّالح عليه.
قرأت على أبي الفضل عبد الواحد بن إبراهيم بن قرّة ، عن أبي الحسين بن عبد الجبّار بن الطّيّوري ، أنا أبو مسلم عمر بن علي بن أحمد بن مسلم بن الليث الليثي البخاري قال : سمعت أبا الحسن علي بن أبي بكر الحافظ الجرجاني يقول : سمعت مسعود بن علي السجزي قال : سمعت الحاكم أبا عبد الله محمّد بن عبد الله الحافظ يقول : أبو العباس المصري أحمد بن محمّد بن عيسى ، حافظ قديم الرحلة كثير الطلب. ولما احتيج إليه وقد ضاعت سماعاته القديمة ، حدّث من حفظه بأحاديث ذكر أنه يعرفها ، وغير مستبدع لمثله أن يحفظ سؤالات الشيوخ ، فأمّا مذاكرته فإنه كان يتحرّى في أكثرها الصّدق ، واطّلعنا على كتبه بعد وفاته فما رأينا إلّا الخير ، والله أعلم.
٢٠٣ ـ أحمد بن محمّد بن الفأفاء
أبو نصر الموصلي (٣)
قدم دمشق سنة اثنتي عشرة وخمسمائة ، وحدّث عن أبي الفتح نصر بن محمّد بن
__________________
(١) بالأصل «وكان».
(٢) بالأصل «أبو».
(٣) سقطت ترجمته من مختصر ابن منظور.