ورد على أبي نعيم جرجان سنة تسع عشرة وثلاثمائة ، وانحدر منها إلى جوين (١) ، وكتب عن أبي عمران ، وأدرك الشرقيين بنيسابور ، ومكي بن عبدان وأقرانهم ، وخرج إلى سرخس وكتب عن أبي العباس (٢) أوّل سماعه في بلده سنة خمس وثلاثمائة ، كما حدثني عن علّان وأقرانه ، وأقام على عبد الرّحمن بن أبي حاتم مدة ، وكانت سماعاته منه كثيرة ، إلّا أن سماعاته بالعراق والحجاز والشام ذهبت عن آخرها. وحدّث عندنا سنين ـ إملاء وقراءة ـ واستوطن نيسابور سنة إحدى وعشرين ، إلى يوم السبت سلخ ذي القعدة من سنة ست وسبعين وثلاثمائة ، وأخبرني أنه ابن خمس وثمانين سنة.
كتب إليّ أبو نصر بن القشيري ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، قال :
سمعت الصفّار ـ يعني : محمّد بن عبد الله الأصبهاني ـ يدعو في مسجده ، وهو رافع باطن كفيه إلى السّماء ، وهو يقول : يا رب إنّك تعلم أن أبا العبّاس المصري ظلمني ، وخانني وحبس عني أكثر من خمسمائة جزء من أصولي ، اللهمّ فلا تنفعه بتلك وبسائر ما جمعه من الحديث ، ولا تبارك له فيه. وكان أبو عبد الله مجاب الدعوة ، وكان السبب في موجدته على أبي العباس المصري ورّاقه أنه قال له : اذهب إلى أبي العباس الأصمّ ، وقل له : قد حضرت معك ومع أبيك قراءة كتاب الجامع للثوري ـ مجلس أسيد (٣) بن عاصم ـ وقد ذهب كتابي ـ فإن كان لي في كتابك سماع بخطّي فأخرجه إليّ حتى أنسخه ، فذهب فقال أبو العباس : السمع والطّاعة ، وأخرج الكتاب في أربعة أجزاء بخطّ يعقوب ، وسماع أبي عبد الله فيه بخطه ، فدفعه إلى أبي العباس فأخذه ووضعه في بيته ، ثم جاء إلى أبي عبد الله فقال : إن الأصمّ رجل طمّاع ، قد أخرج سماعك بخطك في كتابه ، ولم يدفعه إليّ قال : لم؟ قال : يقول إني لا أدفع هذا السماع إليه حتى يحمل إليّ خمسة دنانير ، وكان أبو عبد الله قد تراجع أمره ونقصت تجارته فبلغني أنه باع شيئا من منزله فدفع إلى العباس خمسة دنانير ، فأخذها وحمل الكتاب إليه ، ثم أنهما جميعا دعيا على أبي العباس ، فاستجيبت دعوتهما فيه. ثم بعد ذلك كان أبو عبد الله يجامل أبا
__________________
(١) اسم كورة على طريق القوافل من بسطام إلى نيسابور (معجم البلدان).
(٢) يعني الدغولي.
(٣) بالأصل «أسد» والصواب ما أثبت انظر سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣٧٨ والاكمال لابن ماكولا ١ / ٥٦.