قال : وكان أبو عبد الله الروذباري (١) إذا دعي أصحابه إلى دعوة في دور السوقة ومن ليس من أهل التصوف ، لا يخبر الفقراء ، وكان يطعمهم شيئا ، فإذا فرغوا أخبرهم ومضى بهم ، فكانوا قد أكلوا في الوقت ، ولا يمكنهم مدّ أيديهم إلى طعام الدّعوة إلّا بالتعذّر ، وإنما كان يفعل ذلك لئلا يسوء (٢) ظنون الناس بهذه الطائفة فيأثمون (٣) بسببهم.
وقيل : كان أبو عبد الله يمشي على إثر الفقراء يوما ـ وكذا كانت عادته أن يمشي على أثرهم ـ وكانوا يمضون إلى دعوة فقال إنسان بقّال (٤) : هؤلاء المتسحلون. وبسط لسانه فيهم وقال : إن واحدا منهم استقرض مني مائة درهم ، ولم يردّه (٥) ، ولست أدري أين أطلبه؟ فلما دخلوا دار الدّعوة قال أبو عبد الله الروذباري لصاحب الدار ـ وكان من محبّي هذه الطائفة : ـ ائتني بمائة درهم إن أردت سكون قلبي ، فأتاه بها في الوقت ، فقال لبعض أصحابه : أحمل هذه المائة إلى البقال الفلاني ، وقل له هذه المائة التي استقرض منك بعض أصحابنا ، وقد وقع له في التأخير عذر ، وقد بعثه (٦) الآن فاقبل عذره ؛ فمضى الرّجل وفعل ، فلما رجعوا من الدعوة اجتازوا بحانوت البقال ، فأخذ البقال في مدحهم ويقول : هؤلاء السّادة الثقات الأمناء الصّلحاء ، وما في هذا الباب.
وقال أبو عبد الله الرّوذباري : أقبح من كل قبيح ، صوفيّ شحيح.
أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفقيه وأبو القاسم بن السّمرقندي ، قالا : أنا أبو نصر بن طلّاب ، أنا أبو الحسين (٧) بن جميع ، أنشدنا أحمد بن عطاء الرّوذباري الصّوفي ، أنشدني محمّد بن الزبرقان :
__________________
(١) بالأصل «الروذبادي» وقد تقدم.
(٢) كذا بالأصل. وفي م : تسوء.
(٣) كذا بالأصل. وم.
(٤) بالأصل «فقال» وفي المختصر : «يقال» وسقطت اللفظة من تهذيب ابن عساكر ، والمثبت عن م.
وسيأتي ما يؤكد صحة ما أثبتنا.
(٥) كذا بالأصل والمختصر ، وفي تهذيب ابن عساكر : يردها.
(٦) كذا بالأصل والمختصر والمطبوعة ، وفي التهذيب : بعثها.
(٧) بالأصل «أبو الحسن» والصواب ما أثبت قياسا إلى سند مماثل ، وانظر سير أعلام النبلاء ١٧ / ١٥٢.