مهاجر ، وأحمد بن محمّد الواسطي للغد من يوم مات أحمد بن طولون على أخذ البيعة لأبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون ، فبدءوا بالعباس بن أحمد بن طولون قبل سائر الناس لأنه أخوه وأكبر منه سنا ، فوجّهوا إليه عدّة من خواص خدم أبيه يستحضرونه لرأي رأوه ، فلما وافى العباس قامت الجماعة إليه ، وصدّروه ، وأبو الجيش داخل قاعد في صدر مجلس أبيه ، فعزّاه الواسطي وبكى وبكت الجماعة ، ثم أحضر المصحف ، وقال الواسطي للعباس : تبايع أخاك ، فقال العباس : أبو الجيش فديته ابني وليس يسومني هذا ، ومن المحال أن يكون أحد أشفق عليه مني ، فقال الواسطي : ما أصلحتك هذه المحنة ، أبو الجيش أميرك وسيّدك ومن استحق بحسن طاعته لك التقديم عليك ، فلم يبايع العباس ، فقام طبارجي وسعد الأيسر فأخذا سيفه ومنطقته وعدلا به إلى حجرة من الميدان ، فلم يخرج منها إلّا ميتا ، وبايع الناس كلهم لأبي الجيش وأعطاهم البيعة ، وأخرج مالا عظيما ففرقه على الأولياء وسائر الناس ، وصحّت البيعة لأبي الجيش يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة سنة سبعين ومائتين.
قال (١) : وهذا ما كتب به أبو عبد الله أحمد بن محمّد الواسطي الكاتب ، إلى أبي العباس أحمد بن الموفق بالله يستحثّه على حرب أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون ، والخروج إليه قبل وقعة الطواحين (٢) بأيام ، وبعد انصراف إسحاق بن كنداجيق ، ومحمّد بن أبي الساج (٣) ، وجعفر بن يعامردي (٤) ، والعساكر معه عنه :
يا أيها الملك المرهوب جانبه |
|
شمّر ذيول السرى فالأمر قد قربا |
كم ذا الجلوس ولم يجلس عدوكم |
|
عن النهوض لقد أصبحتم عجبا |
لا تقعدن على التقريظ (٥) معتكفا |
|
واشدد فقد قال جلّ الناس : قد رهبا |
ليس المريد لما أصبحت تطلبه |
|
إلّا المشمّر عن ساق وإن لغبا |
__________________
(١) القائل هو أحمد بن يوسف.
(٢) موضع قرب الرملة من أرض فلسطين بالشام كانت عنده الوقعة المشهورة بين خمارويه بن طولون والمعتضد بالله سنة ٢٧١ انصرف كل منهما مغلولا ، كانت أولا على خمارويه ثم كانت على المعتضد.
(معجم البلدان).
(٣) عن ابن العديم ٣ / ١١١٣ بالأصل السياج.
(٤) في ابن العديم : يغامردي.
(٥) ابن العديم والمختصر : التفريط.