وقد طرحت جيفة ، وتلك الكلاب مجتمعة عليها ؛ وهي تتهارش بعضها مع (١) بعض ، ويخطف هذا من هذا ، ويهرّ (٢) عليه ، وهي تتقاتل على تلك الجيفة. فالتفت المعلّم إلى أصحابه فقال لهم : قد رأيتم يا أصحابنا ، متى لم يكن بينكم الدنيا فأنتم إخوان ، ومتى ما وقعت الدنيا بينكم تهارشتم عليها تهارش الكلاب على الجيفة.
أخبرنا أبو الفتح نصر الله [بن محمّد بن عبد القوي الفقيه ، أنا نصر](٣) بن إبراهيم المقدسي ، أخبرني القاضي أبو الحسن علي بن عبيد الله الهمداني في كتابه ، نا أبو القاسم بكير بن محمّد المنذري ، نا أبو عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري ، نا أبو بكر أحمد بن عمّار الأسدي ـ وكان مسكنه في قرية قريبة من قرية أبي عبيد (٤) الله البسري (٥) ـ فسمعته يقول : قال أبو عبيد البسري : النفاق خبث السّريرة ، فاتّق الله عزوجل أن يرى الناس أنك تخشى الله عزوجل ، وقلبك فاجر.
ذكر أبو أحمد عبد الله بن بكر الطبراني ، حدثني إسحاق بن محمّد المؤذن ، عن أبي بكر الهلالي قال : كان ابن عمّار ينصرف إلى منزله فيجد أهله قد ناموا وتركوا له في نويعيرة (٦) ما يأكله ، فكان إذا وافى ثرد خبزه في قصيعة ، وصبّ عليه ما في النويعيرة.
فأصلحوا في بعض الأيام دجاجة ، وتركوا له في النويعيرة جزء منها ، وكانوا قد عجنوا ، وبقي بعضه فضلة ماء العجين في نويعيرة أخرى. فوافى ليلا وقد ناموا ، فثرد الخبز على عادته ، واتفق أنه أخذ النويعيرة التي فيها ماء العجين ، فصبّه على الخبز وأكل. فلما أصبحوا وجدوا سهمه من الدّجاجة على حاله ، فذكروا له ذلك فقال : ما أكلت إلّا الذي كان في قسمي.
__________________
(١) في المختصر : «على».
(٢) بالأصل : «وبهو» والمثبت عن المختصر ٣ / ١٩٠.
(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ، واستدرك عن م وسير أعلام النبلاء ٢٠ / ١١٨ ترجمة «نصر الله» والمستدرك يوافق عبارة المطبوعة ٧ / ٧٠.
(٤) كذا بالأصل ، والصواب : «أبي عبيد» وسيأتي صوابا ، (انظر الأنساب : البسري ، ومعجم البلدان «بسر»).
(٥) هذه النسبة إلى «بسر» قرية من قرى حوران ، ونسبه السمعاني في الأنساب إلى بصرى قرية من قرى الشام ، فأبدل الصاد بالسين. وأنكر ابن الأثير وياقوت هذا القول واستبعداه ، وانظر ياقوت فقد ترجم له : أبو عبيد محمد بن حسان البسري الحساني الزاهد (بسر). وانظر مختصر ابن منظور ٣ / ١٩٠.
(٦) نويعيرة تصغير ناعورة ، دلو يستقى بها.