أو تأمّلت فيما هدّد به المولى سبحانه المتثاقلين عن النفر للجهاد في الحرِّ بقوله : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) (١) ومن يأكل أموال اليتامى بقوله : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (٢) إلى كثير من أمثال هذه لا ترتاب في أنّ الأمم كلّها بالنسبة إليها شرع سواء ، بل إنّ توجيه تلكم الخطابات إلى الأمّة المرحومة المعنيّة بالتهذيب وإيقافها عن المعصية بالتهديد أولى من توجيهها إلى الأمم البائدة التي جرى عليها ما جرى من عاقبة طاعة ، أو مغبّة عصيان ، فذهبوا رهائن أعمالهم ، وبه يتمّ اللطف ، وتحسن التربية ، وهو الذي كان يُبكي الصالح ، ويُفجع المتّقين ، ويدرّ عبرات الأولياء ، ويجعل سيّدهم أمير المؤمنين يتململ في جنح الليل البهيم تململ السليم قابضاً على لحيته ، يبكي بكاء الحزين وهو يقول :
«يا ربّنا! يا ربّنا! ـ يتضرّع إليه ـ ثمّ يقول للدنيا : إليّ تغرّرت؟ إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات ، غرّي غيري قد بتتُّكِ ثلاثاً ، فعمركِ قصير ، ومجلسكِ حقير ، وخطركِ يسير ، آهٍ آهٍ من قلّة الزاد ، وبُعد السفر ، ووحشة الطريق» (٣).
ثمّ أي مشابهة بين ذلك اللهب المصطلم وبين الحمّام الذي لا يكون الحرّ فيه إلاّ صحيّا ، تُزاح به الأوساخ ، وتعرق به الأبدان ، وترفع به الأتعاب ، وترتاح به الأجسام؟ وهل يهدّد بمثله عصاة البشر الذي خُلق ظلوماً جهولاً جموحاً ، البشر الذي هذا عقله ورشده وحديثه؟
__________________
(١) التوبة : ٨١.
(٢) النساء : ١٠.
(٣) حلية الأولياء : ١ / ٨٥ ، الاستيعاب : ٢ / ٤٦٢ [ القسم الثالث / ١١٠٨ رقم ١٨٥٥ ] ، الرياض النضرة : ٢ / ٢١٢ [ ٣ / ١٦٤ ] ، زهر الآداب للقيرواني : ١ / ٣٨ [ ١ / ٧٨ ] ، تذكرة السبط : ص ٢٧٠ [ ص ١١٩ ] ، مطالب السؤول : ص ٣٣ ، إتحاف الشبراوي : ص ٧ [ ص ٢٥ ]. (المؤلف)