قال الأميني : الذي نرتئيه في الخلافة أنَّها إمرة إلهيّة كالنبوّة ، وإن كان الرسول خُصّ بالتشريع والوحي الإلهي ، وشأن الخليفة التبليغ والبيان ، وتفصيل المجمل ، وتفسير المعضل ، وتطبيق الكلمات بمصاديقها ، والقتال دون التأويل (١) كما يُقاتل النبيّ دون التنزيل ، وإظهار ما لم يتسنّ للنبيّ الإشادة به إمّا لتأخّر ظرفه ، أو لعدم تهيّؤ النفوس له ، أو لغير ذلك من العلل ، فكلّ منهما داخل في اللطف الإلهيّ الواجب عليه بمعنى تقريب العباد إلى الطاعة وتبعيدهم عن المعصية ، ولذلك خلقهم واستعبدهم وعلّمهم ما لم يعلموا ، فلم يدع البشر كالبهائم ليأكلوا ويتمتّعوا ويُلهيهم الأمل. ولكن خلقهم ليعرفوه ، وليمكّنهم من الحصول على مرضاته ، وسهّل لهم الطريق إلى ذلك ببعث الرسل ، وإنزال الكتب ، وتواصل الوحي في الفينة بعد الفينة.
وبما أنّ أيّ نبيّ لم يُنط عمره بمنصرم الدنيا ، ولا قُدّر له البقاء مع الأبد ، وللشرائع ظروف مديدة ، كما أنّ للشريعة الخاتمة أمد لا منتهى له ، فإذا مات الرسول ولشريعته إحدى المدّتين وفي كلّ منهما نفوس لم تكمل بعد ، وأحكام لم تُبلّغ وإن كانت مشرّعة ، وأخرى لم تأت ظروفها ، ومواليد قدّر تأخير تكوينها ، ليس من المعقول بعد أن تترك الأمّة سُدى والحالة هذه ، والناس كلّهم في شمول ذلك اللطف الواجب عليه سبحانه شرع سواء ، فيجب عليه جلّت عظمته أن يقيّض لهم من يكمل الشريعة ببيانه ، ويزيح شبه الملحدين ببرهانه ، ويجلو ظلم الجهل بعرفانه ، ويدرأ عن الدين عادية أعدائه بسيفه وسنانه ، ويقيم الأمت والعوج بيده ولسانه.
ومهما كان للمولى جلّت مننه عناية بعبيده ، وقد ألزم نفسه بإسداء البرّ إليهم ،
__________________
(١) وبهذا عرّف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مولانا أمير المؤمنين بقوله : «إنّ فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله». قال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟! قال : «لا». قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟! قال «لا ، ولكن خاصف النعل» ، وكان أعطى عليّا نعله يخصفها.
أخرجه جمع من الحفّاظ وصحّحه الحاكم والذهبي [ في المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٣٢ ح ٤٦٢١ ، وكذا في تلخيصه ] ، والهيثمي [ في مجمع الزوائد : ٩ / ١٣٣ ] كما يأتي تفصيله. (المؤلف)