وأن لا يوليهم إلاّ الخير والسعادة ، فعليه أن يختار لهم من ينوء بذلك العبء الثقيل ويمثّل مخلّفه الرسول في الوظائف كلّها ، فينصّ عليه بلسان ذلك النبيّ المبعوث ، ولا يجوز أن يخلي سربهم ، ويتركهم سُدى ، ألا ترى أنّ عبد الله بن عمر قال لأبيه : إنّ الناس يتحدّثون أنّك غير مستخلف ، ولو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاء وترك رعيّته رأيت أن قد فرّط ـ لرأيت أن قد ضيّع ـ ورعيّة الناس أشدّ من رعية الإبل والغنم ، ما ذا تقول لله إذ لقيته ولم تستخلف على عباده (١)؟
وقالت عائشة لابن عمر : يا بنيّ أبلغ عمر سلامي وقل له : لا تدع أمّة محمد بلا راعٍ ، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملاً ، فإنّي أخشى عليهم الفتنة (٢) ، فترك الناس مهملين فيه خشية الفتنة عليهم.
وقال عبد الله بن عمر لأبيه : لو استخلفت. قال : من؟ قال : تجتهد فإنّك لست لهم بربّ تجتهد (٣) ، أرأيت لو أنّك بعثت إلى قيّم أرضك ألم تكن تحبّ أن يستخلف مكانه حتى يرجع إلى الأرض؟ قال : بلى. قال : أرأيت لو بعثت إلى راعي غنمك ألم تكن تحبّ أن يستخلف رجلاً حتى يرجع (٤)؟
وهذا معاوية بن أبي سفيان يتمسّك بهذا الحكم العقليّ المسلّم في استخلاف يزيد ويقول : إنّي أرهب أن أدع أمّة محمد بعدي كالضأن لا راعي لها (٥).
__________________
(١) سنن البيهقي : ٨ / ١٤٩ عن صحيح مسلم [ ٤ / ١٠٢ ح ١٢ كتاب الإمارة ] ، سيرة عمر لابن الجوزي : ص ١٩٠ [ ص ١٩٥ ] ، الرياض النضرة : ٢ / ٧٤ [ ٢ / ٣٥٣ ] ، حلية الأولياء : ١ / ٤٤ ، فتح الباري : ١٣ / ١٧٥ [ ١٣ / ٢٠٦ ] عن مسلم. (المؤلف)
(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ٢٢ [ ١ / ٢٨ ]. (المؤلف)
(٣) كذا في المصدر.
(٤) طبقات ابن سعد : ٣ / ٢٤٩ [ ٣ / ٣٤٣ ]. (المؤلف)
(٥) تاريخ الطبري : ٦ / ١٧٠ [ ٥ / ٣٠٤ حوادث سنة ٥٦ ه ] ، الإمامة والسياسة : ١ / ١٥١ [ ١ / ١٥٩ ]. (المؤلف)