الوليد بن عثمان بن عفّان من أن قام إلى هشام بن عبد الملك عشيّة عرفة وهو على المنبر فقال : يا أمير المؤمنين إنّ هذا يوم كانت الخلفاء تستحبّ فيه لعن أبي تراب (١).
وقال سعيد بن عبد الله لهشام بن عبد الملك : يا أمير المؤمنين إنّ أهل بيتك في مثل هذه المواطن الصالحة لم يزالوا يلعنون أبا تراب ، فالعنه أنت أيضاً (٢).
وعلى هذا الأساس من معنى الخلافة لا عسف ولا حزازة في رأي الخليفة الأوّل ومن حذا حذوه من صحّة اختيار المفضول على الفاضل ، وتقديم المتأخّر على المتقدّم بأعذار مفتعلة ، وأوهام مختلقة ، ومرجّحات واهية ، وسياسة وقتيّة ، إذ الأمر الذي لا يشترط في صاحبه شيء من القداسة الروحيّة ، والملكات الفاضلة ، والخلائق الكريمة ، والنفسيّات الشريفة ، ومعالم ومعارف ، ومدارج ومراتب ، ولا يؤاخذ هو بما فعل ، ولا يخلع بتعطيل الأحكام ، وترك إقامة الحدود ، ولا ينابذ ما دام يقيم في أمّته الصلاة ، كما سمعت تفصيل ذلك كلّه ، لا وازع عندئذٍ من أن يكون أمثال أبي عبيدة الجرّاح حفّار القبور حاملاً لهذا العبء الثقيل ، متحلّياً بأبراد الخلافة ولا مانع من تقديم الخليفة الأوّل إيّاه أو صاحبه على نفسه في بدء الأمر ، ولا حاجز من اختيار أيّ مستأهل لتنفيذ ما ذكر (ص ١٣٨) ممّا يُقام له الإمام ولو بمعونة سماسرته وجلاوزته ومن يهمّه أمره ، بل من له الشدّة والفظاظة والعنف والتهوّر إلى أمثالها ربّما يكون أولى من غيره مهما اقتضته السياسة الوقتيّة.
واتّبع الأكثرون الخليفة في تقديم المفضول على الفاضل ، قال القاضي في المواقف (٣) : جوّز الأكثرون إمامة المفضول مع وجود الفاضل ، إذ لعلّه أصلح للإمامة من الفاضل ، إذ المعتبر في ولاية كلّ أمر معرفة مصالحه ومفاسده ، وقوّة القيام
__________________
(١) رسائل الجاحظ : ص ٩٢ [ ص ٤٣٥ الرسائل السياسية ] ، أنساب البلاذري : ٥ / ١١٦. (المؤلف)
(٢) تاريخ ابن كثير : ٩ / ٤٣٢ [ ٩ / ٢٦٢ حوادث سنة ٦٠٦ ه ]. (المؤلف)
(٣) المواقف في علم الكلام : ص ٤١٣.