عمر ثمّ عثمان ثمّ عليّ رضي الله تعالى عنهم ، وأنّ المتقدّم في الخلافة هو المقدّم في الفضيلة لاستحالة تقديم المفضول على الفاضل لأنّهم كانوا يراعون الأفضل فالأفضل ، والدليل عليه أنّ أبا بكر رضى الله عنه لما نصّ على عمر رضى الله عنه قام إليه طلحة رضى الله عنه فقال له : ما تقول لربّك وقد ولّيت علينا فظاً غليظاً؟ قال أبو بكر رضى الله عنه : فركت لي عينيك ، ودلكت لي عقبيك ، وجئتني تكفّني عن رأيي ، وتصدّني عن ديني أقول له إذا سألني : خلّفت عليهم خير أهلك. فدلّ على أنّهم كانوا يُراعون الأفضل فالأفضل. انتهى.
وأنت ترى أنّ هذه المزعمة فيها دجل لإغراء البسطاء من الأمّة المسكينة وهي تصادم رأي الجمهور ونظريّات علماء الكلام منهم ، وعمل الصحابة ونصوصهم ، وقبل كلّ شيء رأي الخليفة أبي بكر ، وكأنّ ما حسبه من الاستحالة قد خفي على الخليفة وعلى من آزره على أمره ، واعتنق إمامته في القرون والأجيال من بعده.
وكأنّ أفضليّة الرجل الفظّ الغليظ كانت تخفى على الصحابة ، ولم يكن يعلمها أحد فأعرب عنها أبو بكر ، وكأنّ التاريخ ونوادر الأثر لم تكن بين يدي الوتري حتى يعرف مقادير الرجال ، ولا يغلو فيهم ، ولا يتحكّم ولا يجازف في القول ولا يسرف في الكلام ويعلم بأنّ عمر لو كان خير الأمّة وتلك سيرته ونوادر أثره فعلى الإسلام السلام.
نعم ؛ إنّما هي أهواء وشهوات أخذ كلّ بطرف منها ، وفتاوى مجرّدة هملج وراءها كلّ حسب ميوله ، ونحن نضع عقلك السليم مقياساً بين هذين الإمامين : من نصفه نحن ، ومن يقول به هؤلاء. فراجعه إلى أيّهما يجنح ، وأيّا منهما يتّخذه وسيلة بينه وبين ربّه سبحانه ، وأيّهما يحقّ له أن يستحوذ على رقاب المسلمين ونفوسهم ونواميسهم وأحكامهم في دنياهم وأخراهم؟ إن لم تكن في ميزان نصفته عين. فويل للمطفّفين.