كان يأتي عليّ الشهر ما يختصم إليّ فيه اثنان (١) ، ولم يكن هناك من يزعم أو يفوه بأفضليّة أبي بكر وعمر من مولانا أمير المؤمنين ، هذا أبو بكر ينادي على صهوات المنابر : ولّيت ولست بخيركم ، ولي شيطان يعتريني. ويطلب من أمّته العون له على نفسه وإقامة أمته وعوجه (٢).
وهذا عمر بن الخطّاب ونصوصه بين يديك. على أنّ الأمر كان لعليّ غير أنّهم زحزحوه عنه لحداثة سنّه والدماء التي عليه (٣) ، أو لِما قاله لمّا عزم على الاستخلاف : لله أبوك لو لا دعابة فيك ، كما في الغيث المنسجم للصفدي (٤) (١ / ١٦٨) ، وكان يدعو الله ربّه أن لا يبقيه لمعضلة ليس فيها أبو الحسن ، ويرى أنّ عليّا لولاه لضلّ هو (٥) ، ولولاه لهلك هو ، ولولاه لافتضح هو ، وعقمت النساء أن يلدن مثل عليّ. إلى كثير ممّا مرّ عنه في الجزء السادس في نوادر الأثر ، ولم يكن قط يختلج في هواجس ضميره ولن يختلج ـ وأنّى يختلج؟ ـ أنّه كان يماثل مولانا عليّا في إحدى فضائله ، أو يدانيه في شيء منها ، أو يبعد عنه بقليل.
وبعد ما عرفت معنى الخلافة عند القوم ، ووقفت على رأي سلفهم فيها وفي مقدّمهم الخليفة الأوّل ، هلمّ معي إلى التهافت بين تلكم الكلمات وبين مزاعم أخرى جنح إليها لفيف آخر : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٦).
قال أحمد بن محمد الوتري البغدادي في روضة الناظرين (ص ٢) : اعلم أنّ جماهير أهل السنّة والجماعة يعتقدون أنّ أفضل الناس بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أبو بكر ثمّ
__________________
(١) طبقات ابن سعد : ٣ / ١٣٠ [ ٣ / ١٨٤ ]. (المؤلف)
(٢) راجع ما مرّ في هذا الجزء : ص ١١٨. (المؤلف)
(٣) راجع ما مرّ في الجزء الأوّل : ص ٣٨٩ ، وفي هذا الجزء : ص ٨٠. (المؤلف)
(٤) الغيث المنسجم : ١ / ٢٧٦.
(٥) التمهيد للباقلاّني : ص ١٩٩. (المؤلف)
(٦) النساء : ٨٢.