الأقدس وقرن طاعته بطاعته ، وولايته بولايته ، وأكمل به الدين ، وأتمّ به النعمة ، وأمر نبيّه بالبلاغ وضمن له العصمة من الناس ، وهتف هاتف الوحي بولايته وأولويّته بالمؤمنين من أنفسهم في محتشد رهيب بين مائة ألف أو يزيدون قائلاً : «يا أيّها الناس إنّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه».
ولم تكن تخفى لأيّ أحد فضائل أبي السبطين وملكاته وروحيّاته ، وطيب عنصره ، وطهارة محتده ، وقداسة مولده ، وعظمة شأنه ، وبُعد شأوه في حزمه وعزمه وسبقه في الإسلام ، وتفانيه في ذات الله ، وأفضليته في العلم والفضائل كلّها.
نعم ؛ على رأي الخليفة في تقديم المفضول على الفاضل وقع الانتخاب من أوّل يومه ، فبويع أبو بكر بعقد رجلين ليس إلاّ : عمر بن الخطّاب وأبي عبيدة الحفّار ابن الجرّاح ، وكان الأمر أمر نهار قضي ليلاً ، مدبّراً بين أولئك الرجال مؤسّسي الانتخاب الدستوري ، وما اتّبعهما يوم ذاك إلاّ أُسيد بن حضير ، وبشر بن سعد ، ثمّ دَرْدَب الناس لمّا عضّه الثقاف (١) واتّسع الخرق على الراقع ، وما أُدركت القويمة حتى أكلتها الهويمة (٢) ، وأصبح المصلح الهضيم يقول : دع الرجل واختياره (٣) ، وإنّ في الشرّ خياراً ، ولا يجتنى من الشوك العنب.
بويع أبو بكر ودبّ قمله (٤) ، وقسمت الوظائف الدينيّة من أوّل يومه بين ثلاث : له الإمامة ، وقال عمر : وإليّ القضاء. وقال أبو عبيدة : وإليّ الفيء. وقال عمر : فلقد
__________________
(١) مثلٌ يضرب لمن يمتنع مما يراد منه ثم يذلّ وينقاد [ مجمع الأمثال : ١ / ٤٦٤ رقم ١٣٨٣ ]. (المؤلف)
(٢) أصل المثل : أدرك القويمة لا تأكلها الهويمة. والمراد : إدراك الرجل الجاهل حتى لا يقع في هلكة [ المستقصى في أمثال العرب : ١ / ١١٦ رقم ٤٥٣ ]. (المؤلف)
(٣) مثل يضرب لمن لا يقبل الوعظ. (المؤلف)
(٤) مثل يضرب للإنسان إذا سمن وحسن حاله [ مجمع الأمثال : ١ / ٤٧٠ رقم ١٤٠٣ ]. (المؤلف)