وإن صحّت المزعمة فلما ذا غضب أبو قتادة الأنصاري على خالد وخالفه وتركه يوم ذاك وهو ينظر إليه من كثب ، والحاضر يرى ما لا يراه الغائب؟
ولما ذا اعتذر خالد بأنّ مالكاً قال : ما إخال صاحبكم إلاّ قال كذا وكذا؟ وهذا اعتراف منه بأنّه قتله غير أنّه نحت على الرجل مقالاً ، وهو من التعريض الذي لا يجوّز القتل ـ بعد تسليم صدوره منه ـ عند الأمّة الإسلاميّة جمعاء ، والحدود تُدرأ بالشبهات.
ولما ذا رآه عمر عدوّا لله ، وقذفه بالقتل والزنا؟ وإن لم يفتل ذلك ذؤابة (١) أبي بكر.
ولما ذا هتكه عمر في ملأ من الصحابة بقوله إيّاه : قتلت امرأً مسلماً ثمّ نزوت على امرأته ، والله لأرجمنّك بأحجارك؟
ولما ذا رأى عمر رَهَقاً في سيف خالد وهو لم يقتل مالكاً وصحبه وإنّما قتلتهم لغة كنانة؟
ولما ذا سكت خالد عن جوابه؟ وما أخرسه إلاّ عمله ، (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (٢).
ولما ذا صدّق أبو بكر عمر بن الخطّاب في مقاله ووقيعته على خالد وما أنكر عليه غير أنّه رآه متأوّلاً تارةً ، ونَحَت له فضيلةً أخرى؟
ولما ذا أمر خالد بالرؤوس فنصبت إثفيةً للقدور ، وزاد وصمة على لغة كنانة؟
__________________
(١) مثل يضرب يقال : فتل ذؤابة فلان. أي أزاله عن رأيه [ في مجمع الأمثال : ٢ / ٤٣٦ رقم ٢٧٣٠ والمُستقصى في أمثال العرب : ٢ / ١٧٩ رقم ٦٠٧ : فتل في ذروته. أي خادعه حتى أزاله عن رأيه. يضرب في الخداع والمماكرة ]. (المؤلف)
(٢) القيامة : ١٤ و ١٥.