ما بعد وضع السلاح إلاّ الإسار ، وما بعد الإسار إلاّ ضرب الأعناق ، والله لا أضع سلاحي أبداً ، قال : فأخذه رجال من قومه فقالوا : يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا إنّ الناس قد أسلموا ، ووضعوا السلاح ، ووضعت الحرب ، وأمن الناس ، فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ، ووضع القوم السلاح لقول خالد ، فلمّا وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك فكتّفوا ، ثم عرضهم على السيف ، فقتل من قتل منهم ، فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رفع يديه إلى السماء ثمّ قال : «اللهمّ إنِّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد ابن الوليد». قال أبو عمر في الاستيعاب (١) (١ / ١٥٣) : هذا من صحيح الأثر.
قال ابن هشام (٢) : حدّث بعض أهل العلم عن إبراهيم بن جعفر المحمودي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «رأيت كأنّي لقمتُ لقمة من حَيسْ (٣) فالتذذت طعمها ، فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها ، فأدخل عليّ يده فنزعه» فقال أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه : يا رسول الله ، هذه سريّة من سراياك تبعثها فيأتيك منها بعض ما تحبّ ، ويكون في بعضها اعتراض ، فتبعث عليّا فيسهّله.
قال ابن إسحاق : ثمّ دعا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال : «يا عليّ اخرج إلى هؤلاء القوم ، فانظر في أمرهم ، واجعل أمر الجاهليّة تحت قدميك». فخرج عليّ حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فودى لهم الدماء وما أُصيب لهم من الأموال حتى إنّه ليدي لهم ميلغة (٤) الكلب ، حتى إذا لم يبق شيء من دمٍ ولا مال إلاّ وداه ، بقيت معه بقية من المال. فقال لهم عليّ رضوان الله عليه حين فرغ منهم : هل بقي لكم بقيّة من دم أو مال لم يودَ لكم؟ قالوا : لا. قال :
__________________
(١) الاستيعاب : القسم الثاني / ٤٢٨ رقم ٦٠٣.
(٢) السيرة النبويّة : ٤ / ٧٢.
(٣) الحيس : بفتح فسكون أن يخلط السمن والتمر والأقط فيؤكل. والأقط : ما يعقد من اللبن ويجفف. (المؤلف)
(٤) الميلغة : خشبة تحفر ليلغ فيها الكلب. (المؤلف)