إن كان عفو النبيّ الأعظم عن الرجل بعد ما غضب عليه وأخذه بذنبه ، وأعرض عنه ردحاً من الزمن أطمعه حتى فعل ما فعل ، فانظر ما ذا يصنع صفح الخليفة عنه من دون أيّ غضب عليه وإعراض عنه ، وما الذي يؤثّر دفاعه عنه من الجرأة والجسارة ، في نفس الرجل ونفوس مشاكليه من أناس العيث والفساد ، وشعب الشغب والفتن؟
أنّى لنا أن نرى خالداً سيفاً سلّه الله على أعدائه وفي صفحة التاريخ كتاب أبي بكر إليه وفيه قوله : لعمري يا ابن أمّ خالد إنّك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجفف بعدُ (١)؟ كتبه إليه لمّا قال خالد لمجاعة : زوّجني ابنتك فقال له مجاعة : مهلاً إنّك قاطع ظهري وظهرك معي عند صاحبك. قال : أيّها الرجل زوّجني. فزوّجه ، فبلغ ذلك أبا بكر. فكتب إليه الكتاب ، فلمّا نظر خالد في الكتاب جعل يقول : هذا عمل الأعيسرة ـ يعني عمر بن الخطّاب.
وليست هذه بأوّل قارورة كسرت في الإسلام بيد خالد ، وقد صدرت منه لدة هذه الفحشاء المنكرة على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتبرّأ صلىاللهعليهوآلهوسلم من صنيعه. قال ابن إسحاق : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما حول مكة السرايا تدعو إلى الله ، ولم يأمرهم بقتال ، وكان ممّن بعث خالد بن الوليد ، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعياً ، ولم يبعثه مقاتلاً ، ومعه قبائل من العرب فوطأوا بني جذيمة بن عامر ، فلمّا رآه القوم أخذوا السلاح ، فقال خالد : ضعوا السلاح فإنّ الناس قد أسلموا.
قال : حدّثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة قال : لمّا أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منّا يقال له جحدم (٢) : ويلكم يا بني جذيمة إنّه خالد ، والله
__________________
(١) تاريخ الطبري : ٣ / ٢٥٤ [ ٣ / ٣٠٠ حوادث سنة ١١ ه ] ، تاريخ الخميس : ٣ / ٣٤٣ [ ٢ / ٢١٨ ]. (المؤلف)
(٢) في الإصابة : جحدم في : ١ / ٢٢٧ [ رقم ١١٠٤ ] ، وجذيم بن الحارث في : ١ / ٣١٨ [ رقم ١٦٥٠ ]. والصحيح هو الأول. (المؤلف)