أليس من المغالاة أن يقال : إنّ أبا بكر أعلم الصحابة وأذكاهم ، وكان مع ذلك أعلمهم بالسنّة كما رجع إليه الصحابة في غير موضع ، يبرز عليهم بنقل سنن عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يحفظها هو ويستحضرها عند الحاجة إليها ليست عندهم؟ وكيف لا يكون كذلك وقد واظب على صحبة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من أوّل البعثة إلى الوفاة (١)؟
أليس من المغالاة ما عزوه إلى النبيّ الأقدس من قيله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما صبّ الله في صدري شيئاً إلاّ صببته في صدر أبي بكر (٢)؟
أليس من المغالاة ما رووه عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : رأيت كأنّي أعطيت عسّا مملوّا لبناً. فشربت منه حتى امتلأت ، فرأيتها تجري في عروقي بين الجلد واللحم ، ففضلت منها فضلة فأعطيتها أبا بكر ، قالوا : يا رسول الله هذا علم أعطاكه الله ، حتى إذا امتلأت فضلت فضلة فأعطيتها أبا بكر ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : قد أصبتم؟ الرياض النضرة (٣) (١ / ١٠١).
أليس من المغالاة ما جاء به ابن سعد (٤) عن ابن عمر من أنّه سُئل عمّن كان يفتي في زمن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : أبو بكر وعمر ولا أعلم غيرهما؟
راجع (٥) : أُسد الغابة (٣ / ٢١٦) ، الصواعق (ص ١٠ ، ٢٠) ، تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص ٣٥).
قال الأميني : ليتني أدري وقومي ما بال القوم في نحت هذه الدعاوي الفارغة ، واختلاق هذه الأكاذيب المكردسة ، وزعق (٦) بسطاء الأمّة إلى المزالق والطامّات ،
__________________
(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ص ٢٩ [ ص ٣٩ ]. (المؤلف)
(٢) راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا : ص ٣١٦ ، وهذا الجزء : ص ٨٧. (المؤلف)
(٣) الرياض النضرة : ١ / ١٣٠.
(٤) الطبقات الكبرى : ٢ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥.
(٥) أسد الغابة : ٣ / ٣٢٤ رقم ٣٠٦٤ ، الصواعق المحرقة : ص ١٨ ـ ٣٤ ، تاريخ الخلفاء : ص ٤٨.
(٦) الزّعق : السّوْق : زعق بإبله ؛ أي : طردها مسرعاً وصاح في آثارها.