مشيتها مشية رسول الله ، حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة ، ثم أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء ، وارتجّ المجلس ، ثمّ أمهلت هنيهة حتى إذا سكن نشيج القوم ، وهدأت فورتهم ، افتتحت كلامها بالحمد لله عزّ وجلّ والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ثمّ قالت ما قالت وفيما قالت : «أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ، (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (١)؟ يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا أرِث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّا ، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحَكَم الله ، والزعيم محمد ، والوعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون». ثمّ انكفأت إلى قبر أبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت :
قد كان بعدك أنباءٌ وهنبثةٌ |
|
لو كنت شاهدها لم تكثرِ الخطبُ |
إنّا فقدناك فقدَ الأرضِ وابلَها |
|
واختلّ قومكَ فاشهدهم ولا تغب |
فليت بعدك كان الموتُ صادفَنا |
|
لمّا قضيت وحالت دونك الكثبُ (٢) |
وهذا الذي تركها غضبى على من خالفها وتدعو عليه بعد كلّ صلاة حتى لفظت نفسها الأخير صلّى الله عليها كما سيوافيك تفصيله.
وهل هذا الحكم مطّرد بين الأنبياء جميعاً؟ أو أنّه من خاصّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ والأوّل ينقضه الكتاب العزيز بقوله تعالى (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) (٣).
وقوله سبحانه عن زكريّا : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (٤).
__________________
(١) المائدة : ٥٠.
(٢) بلاغات النساء لابن طيفور : ص ١٢ [ ص ٢٣ ] ، شرح ابن أبي الحديد : ٤ / ٩٣ [ ١٦ / ٢٥١ خطبة ٤٥ ] ، أعلام النساء : ٨ / ١٢٠ [ ٤ / ١٢٢ ]. (المؤلف)
(٣) النمل : ١٦.
(٤) مريم : ٥ و ٦.