ومن المعلوم أنّ حقيقة الميراث انتقال ملك الموروث إلى ورثته بعد موته بحكم المولى سبحانه ، فحمل الآية الكريمة على العلم والنبوّة كما فعله القوم خلاف الظاهر لأنّ النبوّة والعلم لا يورثان ، والنبوّة تابعة للمصلحة العامّة ، مقدّرة لأهلها من أوّل يومها عند بارئها ، والله أعلم حيث يجعل رسالته ، ولا مدخل للنسب فيها كما لا أثر للدعاء والمسألة في اختيار الله تعالى أحداً من عباده نبيّا ، والعلم موقوف على من يتعرّض له ويتعلّمه.
على أنّ زكريّا سلام الله عليه ـ إنّما سأل وليّا من ولده يحجب مواليه ـ كما هو صريح الآية ـ من بني عمّه وعصبته من الميراث ، وذلك لا يليق إلاّ بالمال ، ولا معنى لحجب الموالي عن النبوّة والعلم.
ثمّ إنّ اشتراطه عليهالسلام في وليّه الوارث كونه رضيّا بقوله : (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) لا يليق بالنبوّة ، إذ العصمة والقداسة في النفسيّات والملكات لا تفارق الأنبياء ، فلا محصّل عندئذٍ لمسألته ذلك. نعم ، يتمّ هذا في المال ومن يرثه فإنّ وارثه قد يكون رضيّا وقد لا يكون.
وأمّا كون الحكم من خاصّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فالقول به يستلزم تخصيص عموم آي الإرث مثل قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (١).
وقوله سبحانه : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٢).
وقوله العزيز : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) (٣).
__________________
(١) النساء : ١١.
(٢) الأنفال : ٧٥.
(٣) البقرة : ١٨٠.