فإن عرفتها ينفعني أن تقدّمه على أبي بكر وعمر؟ قلت : قد عرفتها ومنه قدّمت أبا بكر وعمر عليه. قال : من أين؟ قلت : أبو بكر كان مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على العريش يوم بدر مقامه مقام الرئيس والرئيس ينهزم به الجيش ، وعليّ مقامه مقام مبارز ، والمبارز لا ينهزم به الجيش.
ذكره الخطيب في تاريخه (٨ / ٢١) ، وابن الجوزي في المنتظم (١) (٦ / ٣٢٧) ، وأحسب أنّ مبتدع هذه الباكورة ، ومؤسّس فكرة العريش والاستدلال بها في التفضيل هو الجاحظ ، قال في خلاصة كتاب العثمانيّة (ص ١٠) : والحجّة العظمى للقائلين بتفضيل عليّ عليهالسلام قتله الأقران ، وخوضه الحروب ، وليس له في ذلك كبير فضيلة ، لأنّ كثرة القتل والمشي بالسيف إلى الأقران لو كان من أشد المحن وأعظم الفضائل وكان دليلاً على الرئاسة والتقدّم ، لوجب أن يكون للزبير وأبي دجانة ومحمد ابن مسلمة وابن عفراء والبراء بن مالك من الفضل ما ليس لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم! لأنّه لم يقتل إلاّ رجلاً واحداً ولم يحضر الحرب يوم بدر ولا خالط الصفوف ، وإنّما كان معتزلاً عنهم في العريش ومعه أبو بكر.
وأنت ترى الرجل الشجاع قد يقتل الأقران ، ويجندل الأبطال ، وفوقه من العسكر من لا يقتل ولا يبارز وهو الرئيس ، أو ذو الرأي والمستشار في الحرب ، لأنّ للرؤساء من الاكتراث والاهتمام وشغل البال والعناية والتفقّد ما ليس لغيرهم ، ولأنّ الرئيس هو المخصوص بالمطالبة وعليه مدار الأمور ، وبه يستبصر المقاتل ويستنصر ، وباسمه ينهزم العدوّ ، ولو لم يكن له إلاّ أنّ الجيش لو ثبت وفرّ هو لم يغن ثبوت وكانت الدولة له ، ولهذا لا يضاف النصر والهزيمة إلاّ إليه. ففضل أبي بكر بمقامه في العريش مع رسول الله يوم بدر أعظم من جهاد عليّ ذلك اليوم وقتله أبطال قريش. انتهى.
__________________
(١) المنتظم : ١٤ / ٢١ ـ ٢٢ رقم ٢٤٤٨.