أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (١) (٢).
قال الأميني : ألا تعجب من الرجلين أنّهما طيلة مصاحبتهما هذا النبي المعظّم صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يحدُهما التأثّر بأخلاقه الكريمة إلى الحصول على أدب محاضرة العظماء والمثول بين أيديهم لا سيّما هذا العظيم ، العظيم خلقه بنصّ الذكر الحكيم ، وما عرفا أنّ الكلام بين يديه لا بدّ أن يكون تخافتاً وهمساً إكباراً لمقامه وإعظاماً لمرتبته. وأن لا يتقدّم أحد إليه بالكلام إلاّ أن يكون جواباً عن سؤال ، أو ما ينمّ عن امتثال أمر ، أو إخباراً عن مهمّة ، أو سؤالاً عن حكم لكنّهما تقدّما بالكلام الخارج عن ذلك كلّه ، وتماريا واحتدم الحوار بينهما ، وارتفعت أصواتهما في ذلك ، وكاد الخيّران أن يهلكا حتى جعلا أعمالهما في مظنّة الإحباط ، فنزلت الآية الكريمة.
وما أخرجه ابن عساكر (٣) عن المقدام أنّه قال : استبّ عقيل بن أبي طالب وأبو بكر وكان أبو بكر سبّاباً. وكأنّ ابن حجر استشعر من هذه الكلمة ما لا يروقه فقال : سبّاباً أو نسّاباً ، لكن الرجل أنصف في الترديد وقد جاء بعده السيوطي فحذف كلمة : سبّاباً وجعلها نسّاباً بلا ترديد (٤) ، والمنقّب يعلم أنّ لفظة (نسّاباً) لا صلة لها بقوله استبّا بل المناسب كونه سبّاباً ، وكأن الراوي يريد بذلك أنّه فاق عقيلاً بالسبّ لأنّه كان مَلَكة له ، وإن كان يسع المحوّر أن يقول بإرادة كونه نسّاباً أنّه كان عارفاً بحلقات الأنساب ومواقع الغمز فيها ، فكان إذا استبّ يطعن مستابّه في عرضه ونسبه ، لكنّه لا يجدي المتمحّل نفعاً فإنّه من أشنع مصاديق السبّ ، وفيه القذف وإشاعة الفحشاء.
__________________
(١) صحيح البخاري : ٧ / ٢٢٥ [ ٤ / ١٨٣٣ ح ٤٥٦٤ ] ، الاستيعاب في ترجمة القعقاع : ٢ / ٥٣٥ [ القسم الثالث / ١٢٨٤ رقم ٢١٢٢ ] ، تفسير القرطبي : ١٦ / ٣٠٠ [ ١٦ / ١٩٨ ] ، ابن كثير : ٤ / ٢٠٦ ، تفسير الخازن : ٤ / ١٧٢ [ ٤ / ١٦٤ ] ، الاصابة : ١ / ٥٨ [ رقم ٢٣١ ] ، ٣ / ٢٤٠ [ رقم ٧١٢٨ ]. (المؤلف)
(٢) تاريخ مدينة دمشق : ٣٠ / ١١٠ رقم ٣٣٩٨.
(٣) تاريخ مدينة دمشق : ٩ / ٥٨٢.
(٤) الصواعق : ص ٤٣ [ ص ٧٢ ] ، تاريخ الخلفاء : ص ٣٧ [ ص ٥٠ ]. (المؤلف)