ويظهر من لفظ الحديث كما في الخصائص الكبرى (١) (٢ / ٨٦) ؛ أنّ السباب بين أبي بكر وعقيل كان بمحضر من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان ذلك في أخريات أيّامه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ومن شواهد كونه سبّاباً ـ وسباب المسلم فسوق (٢) ـ ما مرّ في صفحة (١٥٣) من قوله للسائل عن القدر : يا ابن اللخناء. وقوله لعمر : ثكلتك أمّك وعدمتك يا ابن الخطّاب ، لمّا بلّغه طلب الأنصار أن يولّي عليهم رجلاً أقدم سنّا من أسامة ، فأخذ بلحيته فقال : استعمله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتأمرني أن أنزعه (٣).
على أنّه وهم في قوله هذا من ناحيتين :
إحداهما : أنّ الذي يجب أن لا يعزل من منصوبي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هو الخليفة فحسب لا يتسرّب إليه الرأي والمقاييس ، كما لا يتطرّقان إلى الأحكام والسنن المشرّعة ، لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم نصبه يوم نصب بأمر من المولى سبحانه رئيساً عالميّا مدى أمد حياته ، كما أنّه شرّعها أحكاماً عالميّة مدى أمد الدهر. بخلاف أُمراء الجنود والولاة والعمّال فإنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يولّيهم الأمر لمصالح وقتيّة بعد الفراغ من تأهّلهم للإمارة والولاية والعمل ، وإذا انقضى ظرف المصلحة أو تبدّلت بأخرى أو سلب التأهّل من أحدهم كان يزحزحه من عمل إلى عمل ، أو يسقطه عن الوظيفة نهائيّا ، أو إلى أمد تعود بعده إليه جدارته ، وكذلك شأن الخليفة من بعده فإنّه قائم مقامه صلىاللهعليهوآلهوسلم وله
__________________
(١) الخصائص الكبرى : ٢ / ١٤٥.
(٢) مسند أحمد : ١ / ٤١١ [ ١ / ٦٧٩ ح ٣٨٩٣ ] ، سنن ابن ماجة : ٢ / ٤٦١ [ ٢ / ١٢٩٩ ـ ١٣٠٠ ح ٣٩٣٩ ـ ٣٩٤١ ] ، تاريخ الخطيب : ٥ / ١٤٤ [ رقم ٢٥٧٧ ] ، وصحّحه السيوطي في الجامع الصغير [ ٢ / ٤٠ ـ ٤١ ح ٤٦٣٣ ، ٤٦٣٤ ] ، وقال النووي في رياض الصالحين : ص ٣٢٣ [ ص ٥١٨ ح ١٥٦٢ ] متّفق عليه. (المؤلف)
(٣) التمهيد للباقلاني : ص ١٩٣ ، تاريخ الطبري : ٣ / ٢١٢ [ ٣ / ٢٢٦ حوادث سنة ١١ ه ] ، تاريخ ابن عساكر : ١ / ١١٧ [ ٢ / ٥٠ ] ، وفي مختصر تاريخ دمشق [ ١ / ١٧١ ] ، الكامل لابن الاثير : ٢ / ١٣٩ [ ٢ / ١٧ حوادث سنة ١١ ه ] ، تاريخ ابي الفداء : ١ / ١٥٦ ، الروض الأُنف : ٢ / ٣٧٥ [ ٧ / ٥٨٣ ]. (المؤلف)