فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي (١).
وقال الجاحظ في رسائله (٢) (ص ٣٠٠): وقد زعم أناس أنّ الدليل على صدق خبرهما ـ يعني أبا بكر وعمر ـ في منع الميراث وبراءة ساحتهما ترك أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم النكير عليهما .. قد يقال لهم : لئن كان ترك النكير دليلاً على صدقهما ، إنّ ترك النكير على المتظلّمين والمحتجّين عليهما والمطالبين لهما دليل على صدق دعواهم ، أو استحسان مقالتهم ، ولا سيّما وقد طالت المناجاة وكثرت المراجعة والملاحاة ، وظهرت الشكيّة ، واشتدّت الموجدة ، وقد بلغ ذلك من فاطمة أنّها أوصت أن لا يصلّي عليها أبو بكر. ولقد كانت قالت له حين أتته مطالبة بحقّها ومحتجّة لرهطها : «من يرثك يا أبا بكر إذا متّ؟» قال : أهلي وولدي. قالت : «فما بالنا لا نرث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم؟» (٣) فلمّا منعها ميراثها ، وبخسها حقّها واعتلّ عليها ، وجلح أمرها ، وعاينت التهضّم ، وأيست في التورّع ، ووجدت نشوة الضعف وقلّة الناصر ، قالت : «والله لأدعونّ الله عليك». قال : والله لأدعونّ الله لك. قالت : «والله لا كلّمتك أبداً» قال : والله لا أهجركِ أبداً. فإن يكن ترك النكير على أبي بكر دليلاً على صواب منعها ، فإنّ في ترك النكير على فاطمة دليلاً على صواب طلبها؟ وأدنى ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت ، وتذكيرها ما نسيت ، وصرفها عن الخطأ ، ورفع قدرها عن البذاء ، وأن تقول هجراً ، وتجوّر عادلاً ، أو تقطع واصلاً ، فإذا لم تجدهم أنكروا على الخصمين جميعاً فقد تكافأت الأُمور واستوت الأسباب ، والرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم ، وأوجب علينا وعليكم.
فإن قالوا : كيف تظنّ به ظلمها والتعدّي عليها ، وكلّما ازدادت عليه غلظة ازداد
__________________
(١) الإمامة والسياسة : ١ / ١٤ [ ١ / ٢٠ ] ، أعلام النساء : ٣ / ٢١٤ [ ٤ / ١٢٣ ـ ١٢٤ ].(المؤلف)
(٢) رسائل الجاحظ [ ص ٤٦٧ / الرسائل السياسية ].
(٣) هذا الحديث أخرجه أحمد في المسند : ١ / ١٠ [ ١ / ١٩ ح ٦١ ] ، والبلاذري في فتوح البلدان : ص ٣٨ [ ص ٤٤ ] ، وابن كثير في تاريخه : ٥ / ٢٨٩ [ ٥ / ٣٠٩ حوادث سنة ١١ ه ]. (المؤلف)