ويُربط في داره وهو بعدُ مجهول لا يعرف اسمه ، ولا ينبّئ عنه خبير ، ويسع لخلفه إخفاء أمره بدعوى موته ، ولم يُسأل أهله عن تجهيزه وتشييعه ودفنه ومقبره وسبب موته ، وتتأتّى لولده الغشية عليها عن أعين الناس وأسماعهم كأنّ في آذانهم صمماً وفي أبصارهم عمى.
ولما ذا أخذ ابن الجاني ـ الذي لم يُخلق بعد لا هو ولا أبوه ـ ضيفه إلى والده وهو لا يعرف الرجل ولم يخش من الفضيحة ، ولما ذا أوقفه على أمر أبيه وعواره وقد كان يستخفيه ويُظهر للناس موته؟
وأنّى يُصدَّق بأنّ رجلاً قُطع لسانه دون مبدئه وحبّه لخليفته قد استخفى قصّته ، وما أشاع بها ، وما صاح وما باح بمظلمته ، وما أبان أمره عند قومه ، وما أفاض عن شأنه بكلمة ، ولا يمّم قاضياً ولا حاكماً ولا الدوائر الحكوميّة الصالحة للنظر في مظلمته من عدليّة أو دائرة شرطة ، وعقيرته مرفوعة من شدّة الألم ، ولم يزل القوم يتربّص الدوائر على الشيعة ، ويختلق عليهم طامّات كهذه.
وأنّى يُصدّق أنّه لمّا خرج من دار من جنى عليه وهو مقصوص اللسان وقد ملأ فمه دمه ، ولاذ بالحجرة الشريفة باكياً قلقاً من شدّة الألم ، ما باه له أيّ أحد ، وما عرفت مع هذه كلّها من أمره قُذَعْمِلة (١) ، ولا تنبّه لأمره سدنة الحضرة الشريفة؟
وما بال الرجل لم يُمط الستر في وقته عن جناية عدوّ خليفته ، ولم يُفش سرّه ، ولم يُعلن كرامة الصدّيق ، ولم يفضح عدوّه ، ولم يُعرب عن هذه المكرمة الغالية ، ولم يقرّط الآذان بسماعها ، وينبس أمره ولم ينبشه ، كأنّ لسانه بعدُ مقطوع ، وأنّه لم يجده في فيه صحيحاً؟ أو رضي بأن يفشفش (٢) بعده أعلام قومه؟
وإن تعجب فعجب عود هذا الشحّاذ الجريء إلى سؤاله مرّة ثانية في سنته
__________________
(١) القُذَعْمِلة : الشيء اليسير.
(٢) فشفش : أفرط في الكذب ، وانتحل ما لغيره. (المؤلف)