القابلة بعد أن رأى ما رأى قبل أن أعوم (١) ، ووقوفه في ذلك الموقف الخطر في قبّة العبّاس يوم عاشوراء ، ومضيّه من دون أيّ تحاشٍ إلى تلك الدار التي وقعت فيها واقعته الخطرة الهائلة ، ودخوله فيها رابطاً جأشه ، وإلقاؤهُ نفسه إلى التهلكة ، ولم يكن يعرف شيئاً من قصّة الشيعيّ ومسخه ، ولا من حنوّ الشابّ وعطفه ، وقد قال الله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (٢).
ولعلّه كان في هذه كلّها على ثقة وطمأنينة من أنّه قطّ لا يبقى بلا لسان ، وأنّ لسانه مهما قُطع يُردّ إليه كما كان من بركة الخليفة ، وهو في حسبانه هذا وقدومه إلى المهالك مجتهد وله أجره وإن أخطأ كاجتهاد سلفه.
وقد أنصف الشيخ الصالح المدني في اختلاق هذه القصّة على شيعيّ كبير لم يولد بعد ولم تسمّه أُمّه. وجاء غيره بأسطورة معتوه قموص الحنجرة (٣) وافتجر (٤) في القول وأفجس (٥) ألا وهو الشيخ عليا المالكي ، قال الشيخ إبراهيم العبيدي المالكي في عمدة التحقيق (٦) المطبوع بمصر في هامش روض الرياحين (ص ١٣٣) : سمعت خالي العالم الشيخ عليا المالكي يقول : إنّ الرافضيّ إذا أشرف على الموت يقلب الله صورة وجهه وجه خنزير ، فلا يموت إلاّ إذا مسخ وجهه وجه خنزير ، ويكون ذلك علامة على أنّه مات على الرفض ، فيستبشرون بذلك الروافض ، وإن لم يقلب وجهه عند الموت يحزنون ويقولون : إنّه مات سنّياً. انتهى.
وتخرّق بعض الثقات في تاريخ حلب شاهداً على هذه المخرقة فقال : لمّا مات ابن
__________________
(١) أي قبل أن يمرّ عليه عام.
(٢) البقرة : ١٩٥.
(٣) يقال : فلان قموص الحنجرة ؛ أي كذّاب. (المؤلف)
(٤) افتجر في الكلام : أي اختلقه وذكره من غير أن يسمعه من أحد. (المؤلف)
(٥) أفجس : افتخر بالباطل. (المؤلف)
(٦) عمدة التحقيق : ص ٢٢٧.