وأمّا متن الرواية فهو يكفي في تكذيبها ، إذ سفر أبي طالبعليهالسلام إلى الشام وأخذه معه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان وقد مضى من عمره صلىاللهعليهوآلهوسلم تسع سنين على ما قاله أبو جعفر الطبري والسهيلي وغيرهما ، أو اثنا عشر عاماً على ما قاله آخرون (١) وكان أبو بكر يوم ذاك ابن ستّ أو تسع سنين ، فأين كان هو؟ وما ذا كان يصنع بالشام؟ وأيّ اختيار كان له بين شيوخ قريش؟ ولم تكن تنعقد نطفة بلال يوم ذاك أخذاً بقول من قال : إنّه توفّي سنة (٢٥) وله بضع وستون سنة (٢) أو أنّه ولد في تلكم السنين أخذاً بقول ابن الجوزي في الصفوة (٣) (١ / ١٧٤) من أنّه مات سنة عشرين وهو ابن بضع وستّين سنة. كأنّ أبا بكر وُلد وهو شيخ وبلال عتيقه ، وكان معه من أوّل يومه ، وكان من يوم ولد له الحلّ والعقد!
ثمّ أيّ بيعة كانت يوم ذاك؟ وما معنى قول أبي موسى الأشعري : فبايعوه وأقاموا معه عنده؟ وأيّ إيمان وإسلام على زعم رواة هذه الأفيكة ، وكان قبل البعثة بإحدى وثلاثين سنة ، أو ثمانية وعشرين عاماً ، أو اثنين وعشرين ، أو سبع عشرة سنة على زعم النووي؟ ولم تكن للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يومئذٍ دعوة ، ولا كلّف أحداً بالإيمان به ، فلا يُقال لمن عرف شيئاً من إرهاصات النبوّة إنّه أسلم يوم عرف وإلاّ لكان بحيرا الراهب ونسطور وأمثالهما من الرهبان والكهنة أقدم إسلاماً من أبي بكر ، وكم هنالك أُناس عرفوا أمر الرسالة قبلها وبشّروا بها ثمّ بعد البعثة عاندوا وحسدوا ، فمنهم من مات مشركاً ، ومنهم من أدركته الهداية بعد حين كما يأتي في كعب الأحبار بُعيد هذا. وكيف أثبت ذلك اليوم إيماناً لأبي بكر وصار بذلك أقدم الناس إسلاماً ولم يُثبت لأبي
__________________
(١) طبقات ابن سعد : ١ / ١٠٢ [ ١ / ١٢١ ] ، تاريخ الطبري : ٢ / ٢٧٨ ، تاريخ ابن عساكر : ١ / ٢ ، ٢٦٩ [ ٣ / ٩ ] ، تاريخ ابن كثير : ٢ / ٢٨٥ [ ٢ / ٣٤٨ ] ، الروض الأُنف : ١ / ١١٨ [ ٢ / ٢٢١ ] ، إمتاع المقريزي : ص ٨ ، عيون الأثر : ١ / ٤٣ [ ١ / ٦٤ ] ، شرح المواهب للزرقاني : ١ / ١٩٦. (المؤلف)
(٢) تهذيب التهذيب : ١ / ٥٠٣ [ ١ / ٤٤١ ]. (المؤلف)
(٣) صفة الصفوة : ١ / ٤٤٠ رقم ٢٤.