لا محالة إن لم تُصغّره المعاجز من ابنه كما صغّرت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وجعلته غلاماً وشابّا لا يُعرف بين يدي أبي بكر وهو أكبر منه!
راجع في تراجم هؤلاء المذكورين المعارف لابن قتيبة ، معجم الشعراء للمرزباني ، الاستيعاب لأبي عمر ، أُسد الغابة لابن الأثير ، تاريخ ابن كثير ، الإصابة لابن حجر ، مرآة الجنان لليافعي ، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي.
هؤلاء جملة ممّن وقفنا على أسمائهم ممّن أربوا على أبي بكر في السنّ من الصحابة الأوّلين ، وهب أنّا غضضنا الطرف عن كلّ ذلك فهلاّ نسائل القوم عن وجه الفضيلة في كبر السنّ؟ أو ليس في الأمم والأجيال من طعنوا في السنّ فبلغوا من العمر عتيّا ، وفيهم الحالي بالفضائل والعاطل عنها ، وإذا مُدح أحدهم فإنّما يُمدح بمآثره لا بطول عمره ، ومهما طال عمر الخليفة فإن أكثره انقضى في الجاهليّة ، بُعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وللخليفة ثمان وثلاثون سنة ، وقد مرّ في الجزء الثالث (ص ٢٢٠) أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم صلّى سبع سنين ولم يصلّ معه غير عليّ أمير المؤمنين. إذن فلأبي بكر عند إسلامه خمسة وأربعون عاماً وتوفّي وهو ابن ثلاثة وستّين ، فقد أشغل في الإسلام ثماني عشرة سنة ، وهذه المدّة الأخيرة هي التي يمكن أن تزدان بشيء من المناقب ، فهل ازدانت أو لا؟
وفي الغاية أحسب أنّه ليس للقوم غاية يعتدّ بها في كبر السنّ والاهتمام بذلك غير أنّهم جعلوا الحجر الأساس للخلافة الراشدة أشياء منها : أنّ أبا بكر قُدّم على أمير المؤمنين لأنّه شيخ محنّك لا تِرَة لأحد عنده فيُبَغض ؛ وعلى هذا الأساس جعلوه تارة أكبر سنّا من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد عرفت حاله في صفحة (٢٧٠) وأُخرى أنّه كان شيخاً يُعرف والنبيّ شابّا لا يُعرف ، وأوقفناك على حقيقة الحال في (ص ٢٥٧). وآونة أنّه أسنّ الصحابة ليحسموا مادّة النقض بشيوخ في الصحابة كلّهم أكبر من الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام وفيهم رؤساء وأعاظم ، وما عرفوا أنّ المستقبل الكشّاف سيوقف الباحثين على أناس هم أكبر من الرجل سنّا ، وأوفر علماً ، وأبلغ حنكةً ، وأقدم شرفاً ، وأسبق إسلاماً.