ثمّ دعاهم ثانية وقال : «الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكّل عليه ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له. ثمّ قال : إنّ الرائد لا يكذب أهله ، والله الذي لا إله إلاّ هو إنّي رسول الله إليكم خاصّة وإلى الناس عامّة ، والله لتموتُنّ كما تنامون ، ولتبعثُنّ كما تستيقظون ، ولتحاسبُنّ بما تعملون ، وإنّها الجنّة أبداً والنار أبداً».
فقال أبو طالب : ما أحبّ إلينا معاونتك ، وأقبلنا لنصيحتك ، وأشدّ تصديقنا لحديثك ، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون وإنّما أنا أحدهم غير أنّي أسرعهم إلى ما تحبّ ، فامض لما أُمرت به ، فو الله لا أزال أحوطك وأمنعك ، غير أنّ نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطّلب (١).
قال الأميني : لم يكن دين عبد المطّلب سلام الله عليه إلاّ دين التوحيد والإيمان بالله ورسله وكتبه غير مشوب بشيء من الوثنيّة ، وهو الذي كان يقول في وصاياه : إنّه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه وتصيبه عقوبة. إلى أن هلك ظلوم لم تصبه عقوبة. فقيل له في ذلك ، ففكّر في ذلك ، فقال : والله إنّ وراء هذه الدار داراً يجزى فيها المحسن بإحسانه ، ويعاقب المسيء باساءته ، وهو الذي قال لأبرهة : إنّ لهذا البيت ربّا يدبّ عنه ويحفظه ، وقال وقد صعد أبا قبيس :
لاهُمَّ إنَّ المرء يم |
|
نع حلّه فامنع حلالكْ |
لا يغلبنَّ صليبهم |
|
ومحالهم عدوا محالكْ |
فانصر على آل الصلي |
|
ب وعابديه اليوم آلكْ |
إن كنت تاركهم وكع |
|
بتنا فأمرٌ ما بدا لكْ (٢) |
__________________
(١) الكامل لابن الأثير : ٢ / ٢٤ [ ١ / ٤٨٦ ]. (المؤلف)
(٢) الملل والنحل للشهرستاني هامش الفصل : ٣ / ٢٢٤ [ ٢ / ٢٤٩ ] ، الدرج المنيفة للسيوطي : ص ١٥ مسالك الحنفاء : ص ٣٧. (المؤلف)