والأسلوب الثّاني : (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ) فحينما يمرّ المشركون على مجموعة من المؤمنين يغمزون بأعينهم ويشيرون إليهم بالقول :
انظروا إلى هؤلاء الفقراء المعدمين .. إنّهم أصبحوا مقرّبين عند الله!
انظروا إلى هؤلاء الحفاة العراة .. إنّهم يدّعون نزول الوحي الإلهي لهم!
انظروا إليهم .. فإنّهم يعتقدون بأنّ العظام البالية ستعود إلى الحياة مرّة اخرى!! وما شابه ذلك ، من الكلمات الرخيصة والموهنة ..
ويبدو أنّ ممارسة الضحك من قبل المشركين يكون حينما يمرّ المؤمنون من أمامهم وهم متجمعون ، في حين يمارسون الأسلوب الثّاني وهو الإشارات الساخرة والغمز واللمز حين مرورهم هم أمام جمع من المؤمنين ، لعدم تمكنهم من الضحك العلني أمام جمع المؤمنين. (١)
«يتغامزون» : من (الغمز) ، وهو الإشارة بالجفن أو اليد طلبا إلى ما فيه معاب ، وعبّرت الآية بهذا اللفظ «التغامز» للإشارة إلى اشتراكهم جميعا في ذلك الفعل.
ولكنّهم لم يكتفوا بالنيل من المؤمنين في حضورهم من خلال الضحك والتغامز ، بل تعدوا إلى حال غيابهم أيضا ، حيث تنقل لنا الآية التالية ، الأسلوب الثّالث بقولها : (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ).
وكأنّهم في ضحكهم وتغامزهم قد نالوا فتحا كبيرا! فتأخذهم نشوة تصور الغفلة والجهل لأن يتباهوا فيما قاموا به من فعل قبيح ، ويبقون على حالة السخرية والاستهزاء بالمؤمنين رغم غياب المؤمنين عنهم! ...
«فكهين» : جمع (فكه) ، وهي صفة مشبهة من (الفكاهة) بمعنى التمازح والضحك ، مأخوذة من (الفاكهة) ، وكأن لذة الخوض في هكذا حديث وسخرية كلذة أكل الفاكهة ، كما ويطلق على حديث ذوي الأنس اسم (فكاهة).
__________________
(١) ذكر المفسّرون احتمالين في ضمير «مرّوا» و «بهم» ، فارجع بعضهم الأوّل الى المشركين والثّاني إلى المؤمنين ، وقال البعض الآخر عكس ذلك ، ويبدو أن الاحتمال الأول أقرب بلحاظ ما ذكر أعلاه.