لها الفضل أيضا في تبيان ما طواه التاريخ السياسي وأهمله من شؤون الحياة العلمية والأدبية والدينية والأخلاقية ، وما يتصل بذلك من آراء وأفكار ومعارف وفنون.
ولما تدهور الأدب العربي قلت براعة الكتاب في ذلك ، وأصاب تلك الناحية ما أصاب غيرها من فنون الآداب ، وكأن بعض المؤرخين استشعر نقص الناحية الأولى من التأريخ فعمد الى الجمع بين الحوادث والتراجم فجاءت مؤلفاتهم : «كجونية العطار».
ومما هو جدير بالذكر هنا لعلاقته بالموضوع الإشارة إلى عناية العرب العظيمة بعلم الجغرافية ، والبحث عن شكل الأرض وظواهر الطبيعة ومعرفة الأقاليم وخطوط الطول والعرض وتقسيم المناخ إلى مناطق ، والفحص عن أحوال الأمم وطبائع الشعوب ، وإجالة الفكر في كل ما يصلح أن يجول فيه عملا بهداية القرآن : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ).
واهتمامهم الكبير بالبلدان وضبط أسماء المدن والقرى والجبال والأنهار والأودية والطرق والمسافات ومحطات البريد ، وتكبدهم الرحلات الشاقة والأسفار الطويلة في سبيل البحث والتنقيب عن كل ما يتعلق بهذا العلم من حقائق تستأهل التخليد والتسجيل ، وتأليفهم في ذلك المؤلفات النفيسة الممتعة ككتاب الجاحظ عن البلدان ، ومعجم ياقوت الرومي الحموي ، وصفة الجزيرة العربية للهمداني اليمني ، ورسالة فيلسوف العرب أبو يوسف يعقوب بن اسحاق الكندي ، وجغرافية عبد الله بن خرداذبة ، والمقدسي ، ومحمد بن رسته ، وأمثالهم.
كما أن إليهم يرجع الفضل أيضا في تخطيط الخرائط. ووضع التقارير الضافية عن رحلاتهم البعيدة كما يفعل الغربيون اليوم.
وأقدم أثر عربي عثر عليه في تخطيط الخرائط كتاب أبي زيد البلخي ،