تحت سمائها الصافية وعلى أديمها المنبت ، وفي مروجها النضرة مرحت أبطال الحروب ، وعباقرة الفنون ، ومهرة الرسامين ، ونوابغ الصناع ، وتركوا من نتاج عبقريتهم وآثار نبوغهم معاول الدهر ، وفل شباء القرون.
ولم تزل بعض تلك الآثار جاثمة كالخلود ، تمثل لرأيها أجيالا من ملوك حمير وسبأ ومعين والأذواء ، وينشد لسان حالها قبل سؤالها :
تلك آثارنا تدل علينا |
|
فانظروا بعدنا إلى الآثار |
وما عليك أيها الباحث إلا أن تقف قليلا بطلولهم الدوارس ، ورسومهم الطوامس ، بمعين ، وبراقش ، والحمراء ، وصرواح ، وسبأ ، وناعط ، وظفار ، وبينون وغمدان كي تناجيك آثارهم ، وتخبرك مآثرهم من نقوشهم المطلوسة على الأحجار ، وبقية أطلالهم الثابتة على كر الأعصار ، أنهم أساتذة العالم في تلك العصور ، فان بقية ما أسارته الأيام من القصور والهياكل والمدن والمعابد لا يزال قريبا ، مما كان ، والكثير منها سطا عليه الزمان ، فلم يبق منه غير العنوان.
طلل عند دمنة عند رسم |
|
ككتاب محا البلا عنوانه |
من رآها هذي ملوك ال |
|
دهر هذا وقارهم والرزانة |
وبقيا هياكل وقصور |
|
بين أخذ البلى ودفع المتانة |
ثم تندس ذلك القلم المسماري والخط الهيروغلوفي وردد الطرف في آثار الأمم التي نالت حظها الكامل من الحضارة في تلك القرون ، تجد المشابهة الكاملة ، والمشاكلة التامة ، شبه الماء بالماء والغراب بالغراب ، وحينئذ لا يسعك إلا الجزم بوحدة الأصل والتسليم بما قضت به أساطين البحث ورجال التاريخ وعلماء الاجتماع وغواة الآثار من أن تلك الأنوار التي أنارت الشرق والغرب قبس من هذه النار ، فإذا عرفت ذلك فما عليك إلّا أن تنشد بملء فيك.