اليمن الى المغرب طريقا من غير السويس ، والمسلك هنالك ما بين بحر السويس والبحر الشامي قدر مرحلتين فما دونهما ، ويبعد أن يمر بهذا المسلك ملك عظيم في عساكر موفورة من غير أن تصير من أعماله ، هذا ممتنع في العادة ، وقد كان بتلك الأعمال العمالقة وكنعان بالشام ، والقبط بمصر ، ثم ملك العمالقه مصر ، وملك بنو إسرائيل الشام ، ولم ينقل قط أن التبابعة حاربوا أحدا من هؤلاء الأمم ، ولا ملكوا شيئا من تلك الأعمال الخ.
وهو كلام ظاهر البطلان منقوض ، ولا حاجة إلى بيان غلطاته والتنبيه عليها ، وسرد الروايات التاريخية المناهضة لها ، ولا سيما وقد نقضها هو ، وأورد هذه الأخبار مستدلا بها في عدة مباحث ، منها عند الكلام على الأمم المتوحشة ، وسعة ما تملك مستشهدا بحمير ، وكيف كانوا يخطون من اليمن إلى المغرب مرة ، وإلى العراق والهند أخرى ، وأن ذلك لم يكن لغير العرب من الأمم. وقال في صفحة ١٥٥ عند الكلام على طبائع الدولة في أدوارها الخمسة : وأعتبر ذلك بجوائز ابن ذي يزن لوفد قريش ، كيف أعطاهم من أرطال ، الذهب والفضة والأعبد والوصائف عشرا عشرا ، ومن كرش العنبر واحدة ، وأضعف ذلك بعشرة أمثاله لعبد المطلب ، وإنما ملكه يومئذ فرارة اليمن خاصة تحت استبداد فارس ، وإنما حمله على ذلك نفسه بما كان لقومه من التبابعة من الملك في الأرض والغلب على الأمم في العراقين والهند والمغرب ، وقال في موضع آخر : «وقد كان الخط العربي بالغا مبالغة من الإحكام والإتقان والجودة في دولة التبابعة لما بلغت من الحضارة والترف ، وهو المسمى بالخط الحميري ، وانتقل منها إلى الحيرة لما كان بها دولة آل المنذر ، نسبا التبابعة في العصبية ، المجددين لملك العرب وأرض العراق ، انتهى».
وعلى كل تقدير فإن أجل ما كتب في هذا الباب وأقربه إلى الحقيقة ، ما كتبه نشوان بن سعيد الحميري ، والحسن بن أحمد يعقوب الهمداني ، وهما من فحول رجال اليمن وأعيانها ، غير أنه من المؤسف بل