الموجع أن معظم ما كتبوه سطت عليه أيدي الزمان ، ونوائب الأيام ، وكثير من ذلك خرج من اليمن ولاذ بخزائن الغرب ، لاذ ببرلين ولندن وروما والاسكريال ، وما بقي منه بالمين انكمش بخزائن العظماء ، وانحجر في ظلمات البيوت ينادم الفيران والأرضة ، مع أن مؤلفاتهما لا تخلو من المبالغة والمجازفة في كثير من الأخبار ، وذلك لبعد ما بينهم وبين من كتبوا عنهم من القرون الطوال ، فقد نقلوا ما سمعوه وفيما كتبوه طرفا من الخبر لأنباء عن الحقيقة. وزيادة على تقادم العهد ، ميلهم العظيم إلى المجد السالف والتغني بمفاخر الآباء والأجداد إلى درجة التعصب ، وهو ما حال بينهم وبين نقد بعض (٤١) الأخبار المبالغ فيها ، مع أن تلك الأخبار ليست كذبا ، ولا يصح إهمال ما جاء فيه ، نوع من الغلو ، قال الامير شكيب أرسلان : «جاء في الانسيكلوبيدية الإسلامية «دائرة المعارف : «أنه لم يوجد بين كتاب العرب من جاء بتاريخ حقيقي عن اليمن ، وبمعلومات مؤسسة على قواعد متينة ، مثل الهمداني ، فقد كان هذا الرجل يمانيا مولودا في صنعاء ، فحمله حب وطنه ، والإعجاب بقومه ، على تأليف كتاب الأكليل الذي ذكر فيه تاريخ اليمن ، ووصف العاديات التي هي في الجزء الثامن من الأكليل ، كان نشره مع ترجمة ألمانية الدكتور «مولر» ، وقد أخذ من الجزء العاشر معلومات تكمل ما ورد في كتاب الهمداني الآخر المسمى بصفة جزيرة العرب ، وقد كان في كتاب الهمداني قصص أشبه بالأساطير نقلها الهمداني على علاتها إلا انا برغم ذلك هو الكتاب العربي الوحيد الذي يفهم منه القارىء ما اليمن ومن أهل اليمن وفيه تفاصيل عن أنساب اليمن وطبائع أهلها ، وعن مواقع مدنها ، وعن قصورها وحصونها ، لا توجد في كتب الإفرنج برغم تدقيقاتهم ، وكذلك في إكليل الهمداني عن سبأ وعن سيل العرم ما لا يتم تأريخ اليمن إلا به ، وقد ذهب مولر أن الكتابات الحجرية لا تكفي لجلاء وتأريخ سبأ ومعين وبلاد اليمن».
وبالرغم على ما دونه الهمداني وغيره ، وما عثر عليه المستشرقون من