وأدخلوها زبيد فتبلغ بها أهل المدينة ، وخرجت العلماء والقواد والعظماء لاستقبال الامام والسلام عليه ، وحمدوا الله على قدومه.
وكان أمير زبيد يومئذ فاتك بن محمد بن جياش ، وكان فاسقا مسرفا تروى عنه أمور قبيحة موحشة في نفسه ، فبات الإمام وأصحابه وهم يسمعون عزف القيان ، ونغمات الطنابير ، وأصوات الملاهي ، ففزعوا لذلك ، وحولوا مضاربهم إلى الميدان ، وحرّض الإمام على قتل فاتك ، ولم يزل يعمل الحيلة في ذلك ، حتى تمكن منه ولمّا شعر الأمير الحبشي بالخطر ، أرسل بعض جواريه بفدية إلى الامام على أن يعزله ويولي سواه ، فلم يقبل منه الفدية وأمر به ، فكسرت رقبته ، ورمى قوما كانوا معه يفعلون المنكر بالحراب ، وبقتله انقرض ملك الأحباش من اليمن ، (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً)(١).
فاذا الدار ما بها من انيس |
|
واذا القوم ما لهم من محسّ |
غير ذكرى مآثر وعظات |
|
خلّدتها الدّهور في عرض طرس |
يجد الناظرون في اسطريها |
|
عبرة الدّهر والزمان المؤس |
واذا فاتك التفات إلى الما |
|
ضي فقد غاب عنك وجه التأسي |
وبعد قتل الأمير المذكور ، أقام الإمام ثمانية أيّام ، وجعل على زبيد رجلا من من بني جياش يقال له محمد بن نجاح ، وكانت قوّاد الحبشة تنفق على عسكر الإمام مدة إقامتهم في زبيد ، وأمّا الإمام وخاصته فإنه كان ينفق عليهم من ماله ، وكان بعض قوّاد الأمير فاتك قد اغتصب كميّة كبيرة من مال فاتك واستجار بالإمام ، فاجتمع قوّاد الحبشة ، وقالوا ان مع هذا مال ملك زبيد ، فقال لهم الامام : يكون معه مال من كان ، فقد أجرته وما معه.
ثم عزم على الخروج لحرب ابن مهدي الى رمع ، ولما خرج من
__________________
(١) الآية ٩٨ سورة مريم.