المدينة تأخر بعض أصحابه فأغلق عليهم اهل زبيد الباب وتقاعدوا عن الخروج ، معه لحرب عدوّهم ، ولم يفتحوا لهم الباب إلّا بعد أن خاطب فيهم الإمام ، وقد أخذوا خيلهم وسلاحهم ، فانثنى الإمام عن حرب ابن مهدي ، وهمّ بمحاربتهم لإساءتهم إلى أصحابه ، ثم انه ترك الكل ، وعاد إلى ذمار ، وفي أثناء الطّريق راجعه أصحابه في أخذ المال الذي اخذه القائد ريحان على مولاه فاتك وقالوا هو لبيت المال ، فقال : ما يسعني عند الله ، ولا ينبغي لي من المنعة ، وقد أجرته وماله ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)(١) وأنا أعمل فيه بكتاب الله ، ولم يزل معه حتى أبلغه مأمنه ، انتهى المراد نقله في المسيرة فيما يتعلّق بزولة زبيد ، ثم ان ابن مهدي شدد الحصار على زبيد ، حتى دخلها قهرا يوم الجمعة ١٤ شهر رجب سنة ٥٥٤ ، فأقام بقية شهر رجب وشعبان ورمضان ، ومات سادس شوّال من السنة ودفن في المشهد القريب من مدرسة الميلين (٢) وأوصى ولده أن يجعله جامعا يصلّي فيه ففعل ثم أخربه بعض ملوك الغز وجعله اصطبلا (٣) ومن شعر بن مهدي :
عناق القنا والصافنات السوابق |
|
ألذّ وأشهى من عناق العواتق |
وسهرتنا باللّيل فوق ظهورها |
|
ألذّ إلينا من رقاد النمارق |
وهي قصيدة طويلة (٤) قالها لما دخل زبيد ، وقام بعده ولده مهدي بن
__________________
(١) الآية ٦ سورة التوبة.
(٢) مدرسة الميلين : من مدارس زبيد يقول العاص اسماعيل بن علي الأكوع «نقع شرقي الدار الناصري ومكانها اليوم أو قريب منه مدرسة الاسكندر بناها الملك المعز اسماعيل بن طغتكين بن ايوب» انظر المدارس الاسلامية ص ١٨.
(٣) يقول ابن الديبع : ثم كان بعد ذلك يسمي معقاب عاتكة فجعل فيه محامل السلطان وغيرها من آلاتهم ثم خرب ولم يبق منه الا منارة سقطت في أول دولة الملك الظاهر الغساني سنة ٨٣١ انظر قرة العيون ج ٢ ص ٣٦٥.
(٤) انظرها كاملة في قرة العيون ج ١ ص ٣٦٤.